تستمر الجزائر في تقديم مواقف دبلوماسية تثير العديد من التساؤلات حول معاييرها في تقييم الحكومات وشرعيتها.
فقد صرح أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، مؤخرًا بأن الجزائر تعترف بالدول وليس بالحكومات، في تأكيد على دعمها المستمر لنظام بشار الأسد المخلوع في سوريا رغم الجدل الواسع الذي يحيط بهذا النظام المنهار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
هذا الموقف، الذي في سياق السياسة الخارجية الجزائرية، يعكس الازدواجية المعهودة في النظام العسكري، لكنه يثير في الوقت نفسه العديد من الانتقادات بسبب تعارضه مع المبادئ الدولية الحديثة في مجال الاعتراف الحكومي.
في ظل التغيرات التي شهدتها العلاقات الإقليمية، وخصوصًا في العالم العربي، بدأت دول مثل السعودية والكويت والمغرب وقطر وغيرها في استعادة العلاقات مع الحكومة السورية بشكل تدريجي، متبنية في ذلك رؤية مختلفة حول ما إذا كانت الحكومة السورية، تحت القيادة الجديدة، تظل الخيار الأكثر استقرارًا في مواجهة الفوضى في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، اختارت الجزائر مسارًا مغايرًا، حيث رفضت الانفتاح على النظام السوري الجديد، الذي يتلقى دعمًا من الدول الغربية والعربية باعتباره الممثل الشرعي الحالي للشعب السوري.
ومن اللافت للنظر في هذا السياق هو التناقض الذي يظهره الموقف الجزائري في ما يتعلق بموضوع الشرعية. الجزائر، التي بررت دعمها لنظام الأسد المخلوع بمبدأ الاعتراف بالدول وليس الحكومات، تجد نفسها في موقف حرج عندما يتم مقارنة هذا الموقف بما يتعلق بقضية “جبهة البوليساريو”…
ففي حين أن الجزائر ترفض الاعتراف بأي كيان يعارض حكومات وفقًا لمفهوم السيادة، فإنها تدعم بقوة مايسمى وهما “الجمهورية الصحراوية” التي أعلنت نفسها في تندوف، رغم أن هذا الكيان لا يملك اعترافًا دوليًا كدولة مستقلة أو سيادة فعلية على أرض الواقع.
هذه الازدواجية في المواقف تثير تساؤلات جدية حول معايير الجزائر في التعامل مع قضايا الشرعية الدولية. فبينما تسعى الجزائر إلى الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، فإنها في الوقت نفسه تتبنى سياسات تفتقر إلى الاتساق، وهو ما يؤدي إلى تعقيد صورتها على الساحة الدولية.
إن تجاهل الجزائر لموقف النظام السوري الجديد في ظل انفتاح عدد من الدول العربية عليه يظهر تناقضًا بين المبادئ التي تعلن عنها والواقع السياسي الذي تعيشه.
هذه السياسة تثير تحديات كبيرة بالنسبة للجزائر في عالم يتسم بتزايد الاهتمام بالمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. فمن غير الممكن، في ظل هذا المناخ الدولي المتغير، استمرار التمسك بمواقف ثابتة على حساب الواقع المتغير في المنطقة. لذلك، يبدو أن الجزائر بحاجة إلى إعادة تقييم سياستها الخارجية، وتحديد موقفها بناءً على معايير أكثر اتساقًا وواقعية، تراعي التحولات الإقليمية والدولية، مع التركيز على محاولة إثبات مدى شرعيتها الدولية من خلال دعم المبادئ التي تروج لها في مجال السيادة وحقوق الشعوب.
يظل الموقف الجزائري من الأزمة السورية محل جدل واسع، وما لم تتمكن الجزائر من تطوير سياسة خارجية متوازنة وواقعية، فإنها ستظل في دائرة الاتهام بازدواجية المعايير التي تزيد عزلتها دوليا.