بقلم : سمير بنيس / مستشار سياسي بواشنطن
بعد الضربة الدبلوماسية التي تلقتها الأسبوع الماضي عندما جدّد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تأكيد دعم بلاده الثابت لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، تلقت الجزائر يوم الإثنين نكسة جديدة خلال الإحاطة التي قدمها مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في الصحراء الغربية. فقد فاجأ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، المراقبين والمناصرين لانفصاليي البوليساريو حين تخلّى بشكل جذري عن اقتراح كان قد طرحه سابقاً.
ففي أكتوبر الماضي فقط، كان دي ميستورا قد اقترح بثقة أن تقسيم الإقليم المتنازع عليه بين المغرب والانفصاليين المدعومين من الجزائر هو السبيل الوحيد للتوصل إلى تسوية طالما استعصت على أجيال متعاقبة من وسطاء الأمم المتحدة. وبعد مضي ستة أشهر فقط، عاد المسؤول الأممي عن ملف الصحراء ليؤكد بشكل قاطع أن مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي يرفض بشكل نهائي خيار التقسيم ويدعو بدلاً من ذلك إلى منح الإقليم حكماً ذاتياً واسعاً تحت السيادة المغربية، هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق نحو حل دائم وسياسي واقعي لهذا النزاع المستمر منذ عقود.
ولم يبقَ سوى خطوة واحدة لتنفيذ هذا المخطط العملي المغربي، وهي أن تطلب الأمم المتحدة من المغرب توضيح رؤيته للحكم الذاتي الواسع وكيفية تحقيقه ضمن إطار زمني معقول. فإذا كان لقاء الوزير روبيو مع كبير الدبلوماسيين المغاربة الأسبوع الماضي وما أعقبه من بيان واضح لدعم وحدة أراضي المغرب قد شكّل صدمة لأولئك الذين لا يزالون يتمسكون برؤية وهمية لمستقبل الإقليم المتنازع عليه جنوب المغرب، فإن تصريح دي ميستورا يشكل أقرب ما يكون إلى “رعد سياسي” أسقط طائرة حوارهم على أرض الواقع.
في نهاية المطاف، يؤكد تصريح المبعوث الأممي ما كان سراً مكشوفاً بالنسبة للمتابعين المخضرمين لملف الصحراء الغربية: لا وجود لحل واقعي لهذا النزاع المصطنع من قبل الجزائر خارج نطاق مقترح الحكم الذاتي المغربي. فمنذ أن قدم المغرب مقترحه السياسي القائم على التفاوض والتسوية إلى مجلس الأمن في عام 2007، دأبت الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي، بما في ذلك أعضاء مؤثرون في الأمم المتحدة، على وصف هذا المقترح بأنه الأفضل لتسوية واقعية وعملية لقضية الصحراء. وهكذا، ورغم الضغوط الشديدة والظروف الجيوسياسية المعاكسة التي واجهها المغرب في السنوات الأولى من النزاع، فإن موقفه بات اليوم يحتل الصدارة في الخيال السياسي والدبلوماسي بشأن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية.
مرحلة ما بعد 2007 كرّست موقف المغرب من قضية الصحراء بهذا المعنى، فإن هذا التطور اللافت يؤكد ما كنت أطرحه منذ زمن: إن رأي محكمة العدل الدولية الصادر عام 1975 بشأن النزاع لم يعد يصلح كمرجع لتوجيه الأطراف نحو تسوية نهائية حقيقية. وعلى عكس التقارير والتفسيرات المنحازة التي لا تزال سائدة في بعض الأوساط اليسارية والمتطرفة، فإن جميع قرارات الأمم المتحدة خلال العقدين الماضيين كرّست فعلياً المقترح المغربي من خلال التأكيد القوي على ضرورة التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين. وإذا لم يكن هذا رفضاً واضحاً ومباشراً للنهج الانفصالي والصفر-مقابل-الكل الذي تتبناه الجزائر، فلا أدري ما هو.
ومع ذلك، وبدلاً من الاعتراف بهذه التطورات واتخاذ الخطوات المناسبة للتفاوض مع المغرب حول حل يربح فيه الجميع، فضّلت الجزائر دائماً السير في الاتجاه المعاكس. وها هي اليوم، ومع توالي التطورات التي تقوّض بشكل ممنهج “فقاعة الاستفتاء على تقرير المصير”، تحصد نتائج الرياح التي زرعتها على مدى عقود. هذه السلسلة الأخيرة من التطورات الداعمة للمغرب – وعلى رأسها تصريحات الوزير روبيو والمبعوث دي ميستورا – ما كانت لتتحقق لولا الاعتراف التاريخي الذي صدر عن إدارة ترامب الأولى في ديسمبر 2020 بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ورغم أن بعض المحللين قللوا آنذاك من أهمية هذا الاعتراف وتبعاته السياسية، إلا أنني كنت من بين القلائل الذين جزموا منذ البداية بأن هذا التحول سيعيد تشكيل النقاش الدولي ويقرب الخطاب الدبلوماسي من الحقائق القانونية والتاريخية التي تؤكد مغربية الصحراء.