أظهرت تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة، التي يقودها سعد الدين العثماني، والتي تم الكشف عنها ليلة الأربعاء، 6 أبريل/نيسان، توجهاً نحو التكنوقراط مقابل تهميش الإسلاميين المتمثلين في حزب العدالة والتنمية الفائز بآخر انتخابات برلمانية. لكن الأهم من ذلك، طبقاً لتقرير نشرته لوموند أفريك، هو استيلاء حزب التجمع الوطني للأحرار على كل الوزارات ذات الصلة بالاقتصاد، بالإضافة إلى وزارته المفضلة، الزراعة والصيد البحري والتنمية الريفية، والتي تولاها زعيمه عزيز أخنوش في وزارة بنكيران الأخيرة.
وضمت الحكومة الجديدة 39 عضواً بينهم 20 وزيراً و6 نواب وزراء و13 أميناً للدولة. وأظهرت الأسماء تراجعاً واضحاً للوزراء من حزب العدالة والتنمية، وتغير عدد كبير من الأسماء التي كانت معتادة في حكومات رئيس الوزراء السابق عبد الإله بنكيران.
في 17 مارس/ آذار، كلف الملك المغربي سعد الدين العثماني، ثاني أقوى رجال حزب العدالة والتنمية، بتكوين الحكومة الجديدة، بعدما فشل بنكيران في الوصول لأغلبية على مدار أكثر من 5 أشهر. وحتى ينجح في مهمته، كان على العثماني تقديم تنازلات كبيرة، وهو ما حدث بالفعل.
حكومة ضبط التوازنات
لكن د. رشيد لزرق يعتبر أن التشكيلة الحكومية الجديدة اعتمدت على “ضبط التوازنات داخل الحكومة، للحد من التصارع السياسي، خاصة أن المغرب مشرف على مخططات الإقلاع وإخراج المؤسسات الدستورية”.
وأضاف في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن هذا الأمر دفع إلى ضرورة إخراج حكومة تجمع فيها بين “الخبرة والسياسة، خاصة ونحن أمام تحديات تنموية وأمنية، وهو ما حاولت الهيكلة الحكومية الإجابة عنه في هذه المعادلة”.
وشدَّد على أن “اللحظة لا تحتمل إخراج حكومة سياسية 100%، خاصة أن الحزب الفائز في الانتخابات لا يتوفر على بروفايلات قادرة على مواجهة التحديات الكبرى، سواء الأمنية أو التنموية”، موضحاً أن الجمع بين التكنوقراط وبين السياسيين غايته المرور من مرحلة الدمقرطة إلى مرحلة التنمية، التي تقتضي شرعية الإنجاز.
وتمكن العثماني، الذي تبنى موقفاً أكثر توافقاً من بنكيران، في نهاية مارس/ آذار من الحصول على أغلبية مريحة من 240 مقعداً من إجمالي 395 مقعد بالبرلمان، بعدما كون إئتلافاً مع 5 أحزاب أخرى، بينها حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حاز المركز الرابع في الانتخابات الأخيرة، ويترأسه الملياردير المقرب من القصر، عزيز أخنوش، الذي ضخ موجة من الحيوية في الحزب، منذ تولى رئاسته في أكتوبر تشرين أول الماضي. وتمكن الحزب من الحصول على نصيب الأسد من السلطة التنفيذية الجديدة في المغرب.
وفي الحكومة الجديدة يسيطر حزب التجمع الوطني للأحرار والوزراء التكنوقراط على غالبية الوزارات الاقتصادية، وتشمل وزارات الاقتصاد والمالية، الصناعة والتجارة والاستثمار، الزراعة والصيد البحري والتنمية الريفية، وتلك الأخيرة يستحوذ عليها أخنوش منذ حكومة بنكيران الأخيرة.
وزير الداخلية
بعض الأسماء الجديدة في الحكومة كانت غير متوقعة، أو كانت في حالة خلاف علني مع رئيس الحكومة السابق بنكيران. مثلا على رأس وزارة الداخلية، التي تعتبر وزارة “السيادة” بالمغرب، جرى تعيين عبد الوافي لفتيت، والي “جهة الرباط سلا القنيطرة”، الذي تربطه علاقة متوترة مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة.
عبد الوافي لفتيت، أو الريفي الصارم كما يلقبه الإعلام المغربي، حاز ثقة الملك في 2014 فعينه واليا على جهة الرباط – سلا – زمور – زعير، بعد عمله سابقا في أكثر من منصب بميناء طنجة.
وزير الداخلية الجديد، الذي سبق له أن شغل منصباً في الإدارة الترابية بشمالي المملكة، قبل أن يُعيَّن والياً في الرباط، دخل في مواجهات مع حزب العدالة والتنمية، خاصة على مستوى مجلس العاصمة، لدرجة وصول الأمر إلى المحاكم، التي رفضت فيه طلباً لسلطة الوصاية (وزارة الداخلية) في عزل رئيس مقاطعة ينتمي إلى حزب عبد الإله بنكيران.
وبحسب ما نقلته جريدة أخبار اليوم المغربية المقربة من حزب العدالة والتنمية، فإن اقتراح تعيين عبد الوافي لفتيت خلق ضجة واسعة في صفوف الحزب، إذ اعتبر بمثابة صفعة جديدة يتلقاها بعد قرار إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة.
وقال المحلل السياسي حفيظ الزهري: “لا أعتقد أن هذا التعيين سيكون له تأثير على علاقاته مع العدالة والتنمية، وبالتالي يمكن القول إن منطق الصراع الذي ميَّز الفترة السابقة على مستوى ولاية الرباط لن ينتقل للحكومة، بحكم أن الأمر أصبح وطنياً وليس محلياً، رغم القوة والصرامة التي تُميز عبد الوافي لفتيت”.
العدالة والتنمية الخاسر الأكبر
وجرى تهميش حزب العدالة والتنمية في الحكومة الجديدة بشكل واضح، حيث حصل على 12 منصبا فقط من أصل 39، بينها منصب رئيس الحكومة و9 وزراء و4 كتاب للدولة الذين لا يحضرون اجتماعات مجلس الوزراء.
كما لم يتحصل الحزب على أي من الوزارات السيادية أو ذات الثقل السياسي والاقتصادي، ربما لا يوجد سوى وزارة النقل والمواصلات ووزارة الطاقة والتعدين التي يعول عليهما اقتصاديًا.
ويرى المحلل السياسي حفيظ الزهري، أن حزب التجمع الوطني للأحرار سيطر على أغلبية الحقائب الوزارية ذات الأهمية، من حيث الوزن السياسي والاقتصادي والمالي. وأضاف في تصريحاته لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن التشكيلة الحكومية أفرزت “عودة بعض وزراء حزب التجمع الذين كانوا ينتمون للحكومة السابقة، ذوي التجربة في التسيير الحكومي”.
وبخصوص موقع حزب العدالة والتنمية الذي تصدَّر الانتخابات، فرأى أنه سجل تراجعاً من حيث نوعية الحقائب الوزارية، التي غاب عنها الاقتصادي والمالي، ما يظهر أن هناك تراجعاً كبيراً، فيما يقابله توسع وتمدد للأحرار الذي هيمن على الحقائب الاقتصادية، و”هذا راجع للقوة التفاوضية لزعيمه أخنوش”، على حد تعبيره.