محمد وجيه في حوار مع “جسر بريس ” ان العمل على المدى البعيد هو أساس المقاربة الجديدة التي يجب على الجميع أن ينخرط فيها ليكون مستقبل الكرة العالم العربي مشرقا، انطلاقا من الرياضة المدرسية مرورا بالأندية ووصولا إلى المنتخبات الصغرى، ما يهم الاعتناء بالمواهب التي تزخر بها العالم العربي خاصة المغرب العربي، ورسم معالم مشروع طموح يجمع كل مكونات المجتمع.
وفي ما يلي نص الحوار :
صفتكم كإطار فرنسي ( اصل تونسي) ماهي استراتيجية عملك وفق مشروعك مع اي فريق تشرفوا عليه ؟
بسم الله الرحمان الرحيم ، أولا شكرا على الإستضافة وإعلم أن لي حنين الخاص للمملكة المغربية أين قضيت خمس سنوات، وأعتز بهذه الفترة من حياتي، بحكم التكوين في الإتحاد الفرنسي، كل فئة سنية لها ديبلوم خاص مع الممارسة أقل شئ 6 أشهر للمرور للفئة التي تليها، أي أنك من خلال التكوين إجباري مرورك بكامل مراحل التكوين، ثم الإدارة الفنية ثمّ مدرب مساعد لإنهاء المشوار كمدرب أول، وهذا بالفعل ما فعلته، أنا شخصيا حين أشرف على فريق، قبل مناقشة بنود العقد، أهتم لشيئين : 1 طموحات الفريق وأهدافه من إنتدابي2 الرصيد البشري المتوفر ومدى ملائمة الأهداف مع الواقع، في مرحلة ثانية أبحث مع مدربي الشبان وخاصة U17 و U19 إمكانية تطعيم الفريق حسب إحتياجات الفريق الأول والمواهب الموجودة في “خزان” النادي.
ولأكون صادق معكم هذا الكلام لا يمكن أن يطبق إلا إذا كان عندي متسع من الوقت، إذ من غير الممكن أن أكون بين مطرقة إخراج الفريق من أزمة نتائج وسندان التصرف في الرصيد البشري من إصابات و إيقافات تأديبية و غياب المردود المرضي لبعض (ركائز) الفريق، وأغامر بشباب ممكن تنقصه الخبرة أو أكون سبب في عدم بروزه على الشكل المرضي لأني “حرقت” مراحل تكوينه الطبيعية.
بالنسبة للتكوين، ماهو تصوركم ؟
هو تصور علمي، وقد أثبتت التجربة الأوروبية نجاحه، أولا إنتداب مدير فني كفئ، وفتح باب إنتداب إطارات ومكونين ومدربين بنظام المناظرة، أي وضع كافة السير الذاتية على الطاولة وإعطاء الفرصة لكل من يرغب في الإفادة من خلال (مقابلة عمل) يكون رئيس النادي شخصيا حاضرا وبعد ذلك يتم الإختيار على ذوي الكفاءة من المدربين ودون “محاباة“
كذلك الشأن بالنسبة لللاعبين : إنشاء أكاديمية خاصة بالنادي ( إبتداءا من سن 7سنوات), لتجهيزهم لصنف المدارس U9 وغرس الإنتماء وحب النادي منذ الصغر.
ثانيا على كافة المدرِّبين بالفئات السنية أن يذهبوا إلى المدارس الإبتدائية والإعدادية ودور الشباب والأحياء الشعبية ومتابعة البطولة المدرسية، وإنتقاء أفضل المواهب لتطعيم الفريق (détection) لتكون القاعدة كثيفة ومن ثم تسهل عملية الإختيار وأخيرا إتباع منهجية فنية للنادي ككل ترتكز على أسلوب لعب موحد في كامل الفئات السنية، وهذا ليس إعتباطيا بل لتسهيل عملية إندماج أي لاعب يتم إستدعائه لتعزيز صفوف الفئة السنية الأكبر أو التي تليها ولما لا الفريق الأول هذا ما يسمى surclassement.
أين تكمن عوامل النجاح من رؤيتكم كإطار فني ؟
الواقعية ومصارحة الجميع بالوضع المادي والفني والبشري والإبتعاد عن تجاذبات العالم الإفتراضي، أفسر أي فترة نيابية أو إنتخابية لأي رئيس نادي لا تتجاوز سنتين على ما أظن، هل بإكانه حسب رأيك أن يركز على التكوين القاعدي وهي عملية مضنية وطويلة الأمد لا تعطي ثمارها إلا بعد 6 سنوات على الأقل ؟ الجواب طبعا لا لأن الجمهور يطمح إلى ألقاب أو تتويج أو ضمان البقاء أو الصعود إلى الدرجة الأعلى، بمعنى آخر رئيس النادي تحت الضغط، هذا الضغط يمرره للمدرب واللاعبين، زِد على ذالك إذا لم يكن لديك (تكوين قاعدي) وخزّان بشري من اللاّعبين أبناء النادي فأنت مجبر على الإنتداب، وتكلفة المحترفين الكل يعلمها.
إذا إما أن يكون رئيس النادي بذلك الثراء الذي يسمح بمجابهة الإحتراف مستشهرين، داعمين، علاقات، متجر النادي
أو يكون رئيس جريئ يصارح الجماهير بالقطع مع السياسات الحينية وأنا أسميها (المسكنات) ويضع إستراتيجية تكوين قاعدي على المدى المتوسط على الأقل، وبذلك يكون فريق قادر على المنافسة لعشرة سنين على الأقل، ويمكن له بيع لاعبين لإنعاش خزينة النادي وإذا لابد من الإنتداب فسيكون في مركز أو مركزين على الأكثر وتكون إنتدابات هادفة (Recrutements ciblés).
كيف ترى الكرة في المغرب العربي ؟
الكرة في المغرب العربي لابأس بها فنيا، لوجود عدة فرق عريقة وذات قواعد جماهرية عريضة، هذه الأندية لها تقاليد وعرفت من أين تأكل الكتف! فإستقدمت الأطر الفنية ذات القيمة المُضافة ( أجانب ومحليين كذلك) وإنتقت أفضل المواهب من الفرق الضعيفة أو المتوسّطة (ماديا) والتي هي مجبرة على بيع أحسن العناصر كل موسم للفرق الكبرى لمجابهة مصاريف “الإحتراف”. وبذلك أصبح لقب الدوري ( البطولة) حكرا على 3 أو 4 فرق في كل دولة، والباقي إما تفادي النزول أو ترتيب مشرف، لكن الحمد لله مازال لنا كمغرب عربي إشعاع قاري وإن شاء الله سيستمر.
كيف نترجم هذه الرؤية على أرض الواقع ؟
كما قلت لك آنفا الوضوح في التعامل والواقعيّة في الأهداف مع أن الطموح يبقى مشروع قدر الأندية الكبيرة هو التتويجات لأن هذه الأندية تعيش بالألقاب، وقدر الأندية الأقل حظًّا ماديا هو التكوين ويبقى لقب الكأس رهينة الحظّ أحيانا لكن في كل الحالات لا شئ يساوي حقيقة الميدان ولا يوجد كبير وصغير فوق المستطيل الأخضر ولكن الفرق كلّ الفرق في ” العقلية ” فعندما يكون عندك محاربين على أرضيّة الملعب فلا تخشى الهزيمة لأنها وإن حصلت فستكون بشرف وهذا ما أسعى شخصيا إلى غرسه لدى اللاعبين (c’est ma devise)
من يتحمل مسؤولية غياب هذه الواقعية في نظرك؟
كلنا دون إستثناء، المدرب لتقديمه الأهداف الشخصية وقلة جرئته ليقول أحيانا لا ! ، فالمحافظة على عقده وجراياته أهمّ. واللاّعب: لأنه لا يعي ماعليه أحيانا، فهو يريد الشهرة والمال وأحسن العقود وتمثيل المنتخب لكن لا يعطي 200% في التمارين، ولا يضحّي بالكيفية المطلوبة : نوعية الأكل ساعات النوم، المحافظة على لياقته حتى في الإجازات وتوقّف النشاط الكروي، إعطاء المثال داخل وخارج الملعب ليكون مصعد إجتماعي يقتفي أثره الشباب، رئيس النادي والمسؤولين لإنسياقهم وراء الجمهور أو لنقل الفئة القليلة المؤثرة من الجماهير وذلك دون تحليل منطقي ومسؤول للأشياء، عدم الإيفاء ببعض الإلتزامات أحيانا تجاه المدرّب أو اللاعب الجماهير التي لا يرضيها إلا الإنتصار و أحيانا تطلب الإقناع وطريقة لعب فرجوية والإنتصار معا ! جماهيرنا معترف بحبها للكرة حد الجنون وهو ما يعطي رونقا خاص للمباريات لكن المشكل الوحيد هو الصبر الإتحادات التي لا تحيين لوائحها وقوانينها الداخلية لتفرض سلطتها على الأندية وتفعيل دور الرابطات الجهوية لأن الإرتقاء يكون بالعنصر ثمّ المجموعة ثم البلدة ثم الولاية ثم الجهة ثم الإقليم ثم البلد بأكمله (كورويا ورياضيا أتحدث) الصحافة والإعلام : لتقصيرها أحيانا في تسليط الضوء على المناطق المحرومة إعلاميا والتي عادة تزخر بالمواهب، وأحيانا التقصير في تكريم المجتهدين لأنهم مغمورين.
أعذرني على صراحتي، التّي بالرغم من أنها سبّبت لي عديد المشاكل والعراقيل لكنّي أبقى وفيّا لمبادئي كلّفني ذلك ما كلّفني، إذ لابدّ من التشخيص الصحيح لإيجاد الحل الصحيح، وأحيانا التشخيص الصحيح لا يعجب لأنّ الحقيقة يصعب أحيانا سماعها لكن ثق أن كلامي من منطلق نقد بناء والله يشهد أَني لا أقصد أي شخص أو أي جهة على وجه التحديد.
بعد سنوات من تدريب في تونس و السعودية، ما السبب الذي جعلك تعود الى فرنسا ؟
أنا أحب هذه المهنة وبالرغم من حصولي على ماجستير في هندسة الأدوية من كلية الطب والصيدلة بجامعة قرونوبل وعملي في شركة أدوية أمريكية بستراسبورغ، إلا أني قدمت إستقالتي للتفرغ كليا للتدريب.
ما سبب في ذلك ؟
أكون صريحا معك، لم أجد ما يشجعني على البقاء بالرغم من كل التضحيات ،فأنا إنسان أعشق مهنتي كمدرب وهي مهنة تعتمد على الخلق والإبتكار والإبداع والتجديد إذ لا توجد وصفة سحرية تطبقها على أي فريق فتنجح، أنت مجبر على فهم العقليات أولا ثم التأقلم بسرعة وخاصة التأثير في نفسية اللاعبين عبر خطاب صادق لإستخراج أحسن ما عندهم من مهارات وتحفيزهم على العطاء والبذل، لكني لم أجد الأرضية الملائمة والشفافية والمصداقية اللازمة لإعطاء الإضافة فخيرت الرجوع.
كإطار فني ماهو طموحكم على مستوى تدريب و تكوين ؟
كفني طموحي متوجه للتدريب، إذا وجدت المناخ الملائم، أما التكوين فسأكون في خدمت المدير الفني لأي فريق أعمل معه بالإستشارة والنصيحة والمنهجية عبر التشاور وجلسات عمل في إطار الزمالة لا المنافسة (إذا طلب مني ) لكن كما قلت لك، أطمح للتدريب ووضع بصمتي الخاصة إستنادا لتجربتي المتواضعة وشغفي الكبير بهذا الميدان.