ورغم اعتراف التقرير بأن إصلاح 2016 شكل قفزة نوعية، فقد أشار إلى أنه يبقى غير كافٍ لضمان استدامة وتوازن هذا النظام على المدى المتوسط، خاصة أن نظام المعاشات المدنية سيعرف نفاد جميع احتياطاته في أفق عام 2027، أي بعد أقل من 10 سنوات، مما يعني الإفلاس.
الموظفون.. الحلقة الأضعف
النقابي يوسف علاكوش، وصف التوصية القائلة برفع سن التقاعد إلى 67 سنة، بقمة الظلم لموظف تعاقَدَ على 60 سنة وبنظام معاشات محدد، معتبراً أن الخطوة في حال تمت فستكون بمثابة “غبن وتدليس في شروط عقدة التوظيف، لا سيما أن الموظف غير مسؤول عن الاستثمارات المفلسة للصندوق المغربي للتقاعد ولا عن سوء التدبير وتسديد المعاشات العسكرية على حساب المعاشات المدنية”.
وتساءل الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم التابعة لنقابة الاتحاد العام للشغل بالمغرب، قائلاً: “لماذا يؤدي الموظف البسيط فاتورة أخطاء من تداولَ على إدارة وتدبير ملف التقاعد”، متابعاً كلامه لـ”هاف بوست عربي”: “نرفض أن يتحمل الطرف الأضعف، متمثلاً بالموظف، مسؤولية الحكومات المتعاقبة في فشلها”.
ويرى النقابي أن الدولة لا تهتم إلا لتأخير سن الإحالة على التقاعد؛ لتحويل الأزمة من سنة إلى أخرى، دون أن تبحث عن مخرج مُنصف تتحمل فيه الدولة كمُشغل، مسؤوليتها تجاه الموظف العمومي، معتبراً أن الأمر لا يعدو أن يكون إجراءً مقياسياً تنفذ به رغبات المجموعات المالية الدولية.
واعتبر علاكوش، ضمن حديثه لـ”هاف بوست”، أن هذه الإجراءات ستعمل على إبعاد كل من كان يرغب في ولوج الوظيفة العمومية، التي ستفقد كل جاذبيتها وامتيازاتها لصالح القطاع الخاص؛ ومن ثم تقليص كتلة الأجور بالقطاع العام والتخلص من المطالب المالية، خالصاً إلى أن “الرفع من سن التقاعد يعني عدم تخصيص مناصب مالية للتوظيف وليس فقط من سيحال على التقاعد”.
وسار عدد من الموظفين إلى استنكار هذه التوصية، وانتقاد التقارير التي جاءت بها، فيما ذهب آخرون إلى الدعوة لخوض إضرابات متتالية عن العمل إلى حين إسقاط رفع سن التقاعد لـ65 سنة ولربما 67 سنة.
الحل الأمثل
المحلل الاقتصادي، عبد النبي أبو العرب، يرى أن إفلاس صناديق التقاعد محصلة لسنوات طويلة من سوء التدبير والتغاضي عن مجموعة من الاختلالات التي ظهرت إلى العلن، مضيفاً أن الأمر يتعلق أيضاً بتردد وبطء تعامل الحكومات المتعاقبة مع هذه الصناديق الحساسة، لافتاً إلى أن الحكومات تهربت من النبش بهذا الملف الساخن، في وقت استطاعت فيه حكومة عبد الإله بنكيران السابقة أن تقوم بالخطوات الأولى تجاه إصلاحه.
وتشير التقارير إلى أن عدد المتقاعدين تزايد بشكل يفوق عدد المنخرطين، حيث انتقل المؤشر الديموغرافي من 12 نشيطًا لكل متقاعد واحد سنة 1986 إلى 6 نشيطين سنة 2000 و2.23 سنة 2016، ويُنتظر أن يصل هذا المؤشر إلى 1.74 سنة 2024، فضلاً عن أن عدد المنخرطين انخفض بين 2014 و2016 من 672.036 الى 649.023، أي بانخفاض بنسبة 1.73%.
وهي المعطيات التي قال عنها الأستاذ بجامعة “مونديابوليس” الدولية لـ”هاف بوست عربي”، إن نتيجة إفلاس صندوق التقاعد حتمية؛ نظراً إلى حجم معاشات المتقاعدين الأكبر من مساهمات الموظفين، ما ينبغي معه اتخاذ مجموعة من الإجراءات لإعادة التوازن، حيث بات رفع سن التقاعد إجراءً لا محيد عنه.
ويرى الأستاذ الجامعي والمحلل الاقتصادي أن رفع سن التقاعد إلى 67 سنة و69 سنة أصبح قاعدة في عدد من الدول الأوروبية وأميركا الشمالية، في ظل ارتفاع أمد الحياة، لافتاً إلى أن الأشخاص في نهاية عمرهم المهني يكونون أكثر جدية ومهنية ورغبة في تقاسم الخبرات التي راكموها على مر السنوات.
إصلاح غير كافٍ
وسبق للحكومة المغربية الفائتة أن تبنَّت خطة لإصلاح نظام التقاعد، عبر رفع سن المستفيدين من 60 إلى 63 سنة ابتداء من تاريخ الشروع في الإصلاح، وتمديده تدريجياً بـ6 أشهر كل سنة، ابتداء من عام 2016 بهدف بلوغ 65 سنة في أفق 2021، مع إمكانية الاستفادة قبل سن الإحالة على التقاعد من معاش كامل بعد 41 سنة من الانخراط في النظام دون تطبيق معاملات الخصم، والرفع من مساهمة الدولة والمنخرطين، كل منهما بنقطتين في سنة 2015 ونقطتين في 2016.
وتنص خطة الإصلاح الحكومية، كذلك، على زيادة اعتماد الأجر المتوسط للسنوات الثماني الأخيرة من العمل كقاعدة لاحتساب المعاش بشكل تدريجي على مدى 4 سنوات، فضلاً عن مراجعة النسبة السنوية لاحتساب المعاش من 2.5 في المائة إلى 2 في المائة فيما يخص الحقوق التي ستُكتسب ابتداء من تاريخ الإصلاح، مع الحفاظ على نسبة 2.5 في المائة بالنسبة إلى جميع الحقوق المكتسبة حتى تاريخ الإصلاح.
القادم أسوأ
الاصلاح الذي أُقر برفع سن التقاعد إلى 63 سنة، عوضاً عن 60 سنة التي كانت معتمدة سابقًا، لن يحقق أي تقويم لعجز نظام المعاشات، حيث سيبقى أثره محدوداً، وسيستمر العجز متراوحاً ما بين 6 و7 ملايير درهم (ما بين 60 و70 مليون دولار) إلى حدود عام 2020، قبل أن يتفاقم بشكل متزايد ابتداء من سنة 2021 ليصل إلى 21 مليار درهم (210 ملايين دولار) سنة 2028، وفق التقرير الصادر قبل أيام.
المجلس الأعلى للحسابات، عاد ليؤكد أن رفع سن التقاعد إلى 63 سنة يظل حلاً غير كافٍ بالنظر إلى التغييرات العميقة للتركيبة الديموغرافية للنظام، ويتعلق الأمر من جهة بمعدل أمد الحياة للمحالين على التقاعد والذي ارتفع بإيقاع مهم، ومن جهة أخرى إلى ضعف المحرك الديموغرافي الناتج عن بطء ازدياد عدد المنخرطين وسرعة ارتفاع أعداد المتقاعدين.
المجلس الذي علم بمدى وَقع هذه التوصيات على الموظفين، انبرى إلى الإشارة إلى أن السن القانونية للإحالة على التقاعد في العديد من البلدان بمنطقة البحر الأبيض المتوسط يحدد في 65 سنة؛ بل وحتى 67، لافتاً إلى أن أنظمة التقاعد ببعض البلدان، لمن يفضلون الاستمرار في العمل بعد هذه السن، خولت الحصول على معاش كامل.
ولعل التقاعد النسبي الذي يستفيد منه عدد من موظفي القطاع العام بالمغرب، خاصة في مجالي الصحة والتربية الوطنية (التعليم)، قد يسبب نقصاً حاداً في أعداد الموظفين بهذين القطاعين الحيويين اللذين يعرفان تطوراً مهمّاً في استقطاب المحالين على التقاعد النسبي؛ بسبب التطور الحاصل بالقطاع الخاص ذي الجاذبية الأكثر.