اسماعيل كايا / اسطنبول
عقب كشف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن تفاصيل المخطط التفصيلي للمنطقة الآمنة، يواجه المشروع اتهامات وشكوكاً من أطراف مختلفة بأنه يهدف في جوهره إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للسكان على طول الشريط الحدودي مع تركيا شمالي سوريا.
وترى أطراف مختلفة أن المخطط التركي يهدف إلى إنهاء ما تعتبره أنقرة «الخطر الاستراتيجي للمسلحين الأكراد»، وتخفيف أزمة اللجوء السوري في الأراضي التركية، لكنه سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي كبير في التركيبة السكانية لمناطق واسعة على امتداد الشمال السوري، إذا جرى تنفيذ المخطط التركي الذي يجري الكشف عن تفاصيله في هذه الأيام. وكان اردوغان هدد بالقيام بعملية عسكرية أحادية الجانب مع نهاية الشهر الماضي، وذلك بعدما أعلن عن منح الولايات المتحدة أكثر من مهلة للتعاون المشترك لإقامة المنطقة الآمنة، ومع إعلانه فشل هذه الجهود، توعد بالبدء بهذه العملية «في أي لحظة».
ومن على منصة الأمم المتحدة، كشف اردوغان تفاصيل مختلفة عن المخطط التركي للمنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إقامتها شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، وأعقب ذلك بتصريحات مختلفة له ولسؤولين أتراك آخرين كشفت عن مخطط تفصيلي يتعلق بالمساحة والعمق والمناطق وعدد السكان في كل منطقة والعدد الإجمالي فيها. لكن الجانب التركي ينفي هذه الاتهامات بشكل مطلق، والأربعاء، اعتبر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك أن «بعض الجهات في الاتحاد الأوروبي تتبنى مقاربة بأن تركيا ترغب بتغيير التركيبة السكانية (شرق الفرات) وهذا محض كذب».
يهدف لتوطين 3 ملايين سوري في شرق الفرات
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية التي حصلت على كم هائل من الدعم العسكري الأمريكي طوال السنوات الماضية «الخطر الاستراتيجي الأول على الأمن القومي»، حيث تخشى أنقرة أن تتمكن هذه الوحدات من الإعلان عن قيام مستقل على حدودها شمالي سوريا وهو ما قد يعزز النزعة الانفصالية للأكراد في تركيا.
وإلى جانب ذلك، أدت إطالة أمد الأزمة السورية وبقاء قرابة 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا إلى نتائج سلبية على الحزب الحاكم في البلاد، وهو ما دفع اردوغان لتكثيف جهوده من أجل إقامة المنطقة الآمنة وإعادة جانب من اللاجئين السوريين قبيل حلول موعد الانتخابات المقبلة في البلاد عام 2023، والتي يمكن تقديمها إلى موعد أقرب.
لكن إلى جانب هذه الأهداف، يمكن للمنطقة الآمنة أن تساهم في تغيير التركيبة السكانية في المناطق الحدودية، وزيادة عدد السكان من العرب والتركمان وغيرهم من القوميات والطوائف السورية المختلفة على حساب المكون الكردي الذي يتواجد بعدد أكبر في مناطق مختلفة من شرق الفرات. وتعتبر تركيا أن الشمال السوري هو المنطقة الطبيعية التي ستحتضن المنطقة الآمنة، كونها الأقرب على حدودها، ويتواجد فيها أكبر عدد من السوريين الذين فروا من المناطق السورية الأخرى، كما أنها المناطق التي تعيش حالة من الهدوء والاستقرار العسكري نوعاً ما مقارنة بمناطق أخرى.
إلى جانب ذلك، تشدد تركيا على أن المناطق ستكون فيها المنطقة الآمنة – سكانها الأصليون من العرب – وجرى تغيير تركيبتهم السكانية خلال الحرب ضد داعش، وذكر اردوغان مراراً أن مناطق مثل منبج وعين العرب ورأس العين وعين عيسى وغيرها هي مناطق ذات أغلبية عربية تم تغيير تركيبتها السكانية، كما تؤكد أن جزءاً مهماً من اللاجئين السوريين في تركيا هم من السكان الأصليين لتلك المناطق.
وعلى الرغم من أن فكرة «المنطقة الآمنة» طرحتها تركيا منذ بداية الأزمة السورية، وقدمها اردوغان بقوة على هامش قمة العشرين قبل 4 سنوات، إلا أنها لم تلق اهتماماً من قبل المجتمع الدولي لأسباب سياسية وعسكرية مختلفة، أضيف لها جانب جديد متعلق بـ»الخشية من حصول تغيير ديموغرافي».
وفي خطابه أمام البرلمان، الاثنين، شدد اردوغان على أن بلاده «ليست مع الحرب والصراع وسفك الدماء والموت، بل هي تريد مستقبلاً آمناً وسلمياً ومزدهراً للشعب السوري بأسره من العرب والأكراد والتركمان والسريان واليزيديين والمسيحيين». وأوضح اردوغان أن تركيا تهدف لإسكان مليوني سوري – من أصل 3.6 مليون لاجئ يعيشون في تركيا – في المنطقة الآمنة المنوي إنشاؤها على عمق 30 كيلو متراً في شمال شرقي سوريا، مشدداً على أن بلاده لا تفكر في مواصلة استضافة ملايين اللاجئين في أراضيها إلى الأبد». وتقول تركيا إن 360 ألف لاجئ سوري تمكنوا بالفعل من العودة إلى المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا في عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات.
وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قبل أيام، عرض اردوغان المشروع على العديد من زعماء العالم خلال مباحثاته الثنائية، لافتاً إلى أن الخطة تشمل الحصول على دعم المجتمع الدولي لبناء 140 قرية تضم 5 آلاف شخص و50 منطقة تضم 30 ألف نسمة في المنطقة الآمنة.
وكان الاختلاف الأكبر بين أنقرة وواشنطن حول المنطقة الآمنة، أن تركيا أصرت على أن تمتد على طول الحدود من شرق الفرات وحتى الحدود العراقية بطول 480 كيلومتراً وعمق 30 كيلومتراً، لكن أمريكا أصرت على إقامة كانتونات متفرقة في المناطق الفارغة والمناطق العربية، وعدم دخول القوات التركية إلى قلب المناطق السكنية هناك.
وقال تقرير لوكالة الأناضول إن المقترح التركي ينص على أن المنطقة الآمنة سوف تشمل مناطق جرابلس ومنبج وعين العرب ( كوباني)، وتل أبيض وسلوك ورأس العين والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية.
وعلى الرغم من أن الاستطلاعات تشير إلى أن جانبا كبيرا من اللاجئين السوريين في الخارج بشكل عام وفي تركيا لا يرغبون في العودة إلى سوريا مجدداً، إلا أنه لا يعرف حتى الآن ما إن كانت تركيا تخطط لإجبار اللاجئين على أراضيها بالعودة إلى تلك المناطق.
وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو قال إن تركيا سوف تساعد من «يرغب» في العودة إلى المنطقة الآمنة، لافتاً إلى أن «الشرط الأساسي لتمكين الناس من العودة يتمثل بالأمن»، معتبراً أن «إنشاء المنطقة الآمنة يعتبر مسألة أمن قومي لتركيا والنظر إليها من زاوية المهاجرين السوريين فقط يعتبر مضللاً».