هبة محمد واسماعيل كايا . دمشق / اسطنبول
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ووسائل إعلام رسمية للنظام السوري إن جيش النظام سيطر على مدينة معرة النعمان جنوبي مدينة إدلب اليوم الثلاثاء في محاولته لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شمال غرب البلاد. وقال تلفزيون الإخبارية «إن القوات الحكومية دخلت معرة النعمان التي تبعد 33 كيلومترا جنوبي إدلب الثلاثاء وتقوم بتمشيط أحيائها بينما تتوغل فيها». وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء «وحدات الجيش حررت معظم أحياء مدينة معرة النعمان».
وكانت قوّات النظام السوري تقدمت بشكل واسع على جبهات شرق إدلب شمال غربي سوريا، ودخلت مدينة معرّة النعمان الاستراتيجية، كبرى مدن المحافظة، حيث سيطرت ظهر الثلاثاء على بلدة كفروما القريبة من المدينة والتي تعد بوابة جبل الزاوية من الجهة الشرقية، ودخلت إلى المعرة بعد ان أطبقت طوقاً نارياً عليها، وسط مواجهات عنيفة مع فصائل المعارضة المسلحة، أسفرت عن تشريد أكثر من 30 ألف مدني جراء الغارات الجوية والقصف المستمر في إدلب خلال الأسبوع الماضي فقط.
الوضع الميداني
ويوضح خيار الحسم العسكري الذي لجأ إليه النظام السوري وحلفاؤه، إلى أنّ الخطة الأولية تهدف إلى السيطرة على كامل المنطقة العازلة والمنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي، الواصل بين حلب واللاذقية، على أن يمهد الواقع الميداني الجديد في حال تحقيقه إلى توجيه الأنظار نحو تحديد مستقبل ما بقي من منطقة خفض التصعيد.
ولا يبدو، بحسب خبراء ومراقبين أنّ لدى روسيا استعداداً للتنازل عن خيار الحسم العسكري أو الحفاظ على وقف إطلاق النار ما لم يحصل تنازل كبير من قبل تركيا والمعارضة السورية، كما لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن روسيا سوف تحتفظ بسقف مطالبها السابق نفسه في ظل الواقع الميداني الجديد، ما لم تستطع فصائل المعارضة إعادة التوازن لنفوذها وحضورها العسكري.
تركيا ترسل تعزيزات وتهدد النظام إذا استهدف نقاطها العسكرية «المحاصرة»
وقال قائد الفرقة الخامسة في الجبهة الوطنية، النقيب مصطفى معراتي ان معارك ضارية تشتعل في قلب مدينة معرة النعمان، لصد هجمات قوات النظام. واضاف القائد العسكري «مغول وتتار العصر، دخلوا في حرب شوارع مع فصائل الجيش الوطني داخل المعرة» مؤكداً سقوط «عشرات القتلى والجرحى، وتدمير دبابة في قلب المدينة».
ووفقاً لمصادر عسكرية متطابقة، فان عدد المناطق التي انتزعتها قوات النظام خلال الأيام الأربعة الماضية، بلغ أكثر من 20 بلدة وقرية في محيط مدينة معرة النعمان، كما قال المرصد السوري لحقوق الانسان ان قوات النظام سيطرت على كل من «تلمنس ومعرشمشة والدير الشرقي والدير الغربي ومعرشمارين ومعراتة والغدفة ومعرشورين الزعلانة والدانا وتل الشيخ والصوامع وخربة مزين ومعصران وبسيدا وتقانة وبابولين وكفرباسين ومعرحطاط والحامدية ودار السلام والصالحية وكفروما».
من جهتها ذكرت وكالة النظام الرسمية «سانا» الثلاثاء، ان وحدات «الجيش» سيطرت على بلدات «معصران والصوامع والحامدية، وخان السبل ومعردبسة « في محيط مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي وذلك بعد اشتباكات عنيفة فصائل مسلحة. ولفتت إلى أن «وحدات الجيش خاضت ايضا اشتباكات عنيفة على محور خان السبل ومعر دبسة وعلى اطراف قرية بسيدا ضد جبهة النصرة والمجموعات المتحالفة».
وتحتاج قوّات النظام السوري، للسيطرة على معرّة النعمان، بحسب رئيس وحدة الدراسات لدى مركز جسور للأبحاث، إمّا التقدّم المباشر نحوها، أو فرض طوق عليها؛ أي استكمال عملية الالتفاف بالسيطرة على الجبهة الغربية التي تعتبر بوابة جبل الزاوية.
لكن برأي المحلل السياسي عبيدة فارس لـ»القدس العربي» فإن الطبيعة الجغرافية الوعرة للبلدات الواقعة غرب معرّة النعمان، تمثّل نسبيّاً عائقاً أمام قوات النظام السوري، وكذلك الدخول في معارك المدن، في حين يُشكّل هذا الواقع الميداني فرصة لفصائل المعارضة لإعادة ترتيب صفوفها وخطوطها الدفاعية. وفي حال تعرقلت جهود النظام السوري وحلفائه في محور معرّة النعمان سوف يلجأ غالباً إلى محاور سراقب ومحاولة التقدّم نحوها سواء من الجهة الشرقية أو الجنوبية.
مأساة إنسانية
وتترافق المواجهات، مع قصف عشوائي عنيف، بمئات الضربات الجوية والبرية طالت أكثر من 20 منطقة بحسب مدير الدفاع المدني حيث قال مصطفى الحاج يوسف ان ريف ادلب استهدف أمس، بأكثر من 100 ضربة، منها 50 غارة جوية، 13 منها بفعل الطيران الحربي الروسي، فضلاً عن 40 برميلاً متفجراً، بالإضافة إلى 15 صاروخاً من راجمات أرضية و 3 قذائف مدفعية. وطال القصف بحسب المتحدث، مدينة سراقب وبلدات عدة في ريف إدلب الشرقي، بالإضافة إلى مدينة كفرنبل وبلدات أخرى بريف إدلب الجنوبي.
وعلى وقع الرصاص، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، انه تم تهجير حوالي 389 ألف شخص، منذ الأول من ديسمبر، بينهم 30 ألف شخص خلال الأسبوع الماضي فقط»، لافتاً إلى أن قرابة 80 في المئة منهم نساء وأطفال.
وأضاف خلال المؤتمر: «أبلغنا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمقتل أكثر من 1500 مدني، منهم 430 طفلاً و290 امرأة، شمال غربي سوريا، منذ أبريل الماضي، عندما بدأ التصعيد العسكري الحالي، وما زلنا ندعو إلى وقف الأعمال القتالية ونحث جميع الأطراف، ومن لهم نفوذ عليها، على ضمان حماية المدنيين، وحماية البنية التحتية المدنية، بموجب القانون الإنساني الدولي».
وطالب الفريق المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ومكاتب الوكالات التابعة للأمم المتحدة بإدانة هذا التصعيد العسكري الذي تقوم به روسيا وقوات النظام باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاك جهود إحلال السلام في المنطقة واستهتاراً بخطوات تثبيت وقف إطلاق النار والمنطقة المنزوعة السلاح.
حصار «المراقبة التركية»
وتزامناً مع سيطرة النظام السوري بغطاء جوي روسي واسع على مدينة معرة النعمان واقترابها من محاصرة نقطة مراقبة جديدة للجيش التركي في المنطقة، هددت وزارة الدفاع التركية بـ»الرد بأقصى قوة» إذا هدد النظام السوري أمن نقاط المراقبة التركية، التي يقترب النظام السوري من حصار نقطة جديدة منها.
وجاء في بيان نشرته الوزارة على موقعها الرسمي، مساء الثلاثاء: «على الرغم من وقف إطلاق النار في تاريخ 12 يناير الحالي في إدلب، تتواصل هجمات النظام السوري الجوية والبرية التي تتسبب في قتل المدنيين الأبرياء وتهجير مئات الآلاف وتشكل مأساة إنسانية». وأضاف البيان: «سوف نرد في إطار حق الدفاع المشروع على أي محاولة لتهديد أمن نقاط المراقبة التركية الموجودة في المنطقة بموجب تفاهمات أستانة وسوتشي بأقصى قوة ومن دون تردد».
ونتيجة الهجمات والتقدم البري التدريجي للنظام السوري خلال الأشهر الماضية، حاصر النظام السوري نقطتي مراقبة تابعتين للجيش التركي في إدلب من أصل 12 نقطة منتشرة في المحافظة ومحيطها بموجب اتفاق أستانة والتفاهمات مع روسيا وإيران. ويحاصر النظام السوري حالياً نقطة المراقبة التابعة للجيش التركي في مورك شمال حماة، ونقطة ثانية في الصرمان جنوبي إدلب، ومع التقدم الحالي في معرة النعمان جنوبي إدلب باتت نقطة المراقبة في معرحطاط شبه محاصرة وساقطة عسكرياً من قبل قوات النظام السوري. وبالتزامن مع تصاعد هجوم النظام على إدلب، أرسل الجيش التركي، الثلاثاء، دفعة جديدة من التعزيزات العسكرية إلى ولاية هطاي الحدودية مع سوريا، وأوضحت مصادر أمنية تركية أن التعزيزات العسكرية التي شملت دبابات وآليات مصفحة بهدف تعزيز الوحدات العسكرية على الحدود السورية.
لكن مصادر سورية قالت إن الرتل العسكري الذي دخل بالفعل إلى إدلب في ساعات ليل الاثنين الثلاثاء وبدأ بإنشاء نقطة مراقبة على الطريق الدولي دمشق – حلب جنوبي مدينة سراقب في إدلب، فيما قال تلفزيون سوريا المعارض إن رتلاً تركياً مؤلفاً من أكثر من 70 آلية ومدرعة عسكرية، دخل ليل الاثنين إلى الأراضي السورية من معبر كفرلوسين، برفقة مجموعات من الفصائل العسكرية، وتمركز الثلاثاء في صوامع الحبوب الواقعة على الطريق الدولي جنوبي مدينة سراقب وشمالي بلدة تل مرديخ، وهو ما لم تؤكده مصادر عسكرية أو رسمية تركية.