ياسين اكتاي / مستشار أردوغان
لقد باتت زيارات الرئيس رجب طيب أردوغان واحدة من محطات سياسته الخارجية. وتحتل العلاقات التركية-الإفريقية مقارنة مع بقية الدول موقعًا خاصًّا. وحينما تقترب تركيا خطوة من إفريقيا فإن الأخيرة تقترب من تركيا عشر خطوات. وإنها تستقبل أصغر خطوة تركية بقبول حسن متكامل. وذلك لأن نهج تركيا ولا سيما شخص الرئيس أردوغان؛ يقوم على الحب والاحترام المتبادلين في العلاقات مع إفريقيا.
لقد ذكرنا في إحدى الرحلات السابقة، أن نهج الدول الغربية تجاه إفريقيا على مر التاريخ، يكشف عن تاريخ مهم للغاية من شأنه أن يظهر الوجه الحقيقي للتاريخ الأوروبي بأكمله، المختبئ تحت قيمه المصقولة كالحداثة والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. وإن النظام العالمي اليوم قد تم تأسيسه تمامًا على تلك العلاقة من الاستعمار والاحتلال والاستغلال. وليس من الممكن تأسيس عالم جديد من غير نقد هذه العلاقة ومواجهتها.
إلا أن تركيا وأردوغان لطالما يؤكدان في كل مناسبة، الدعوة إلى علاقة تقوم على المنفعة المتبادلة في كل وقت، ويعملان على تأسيس هذا النوع من العلاقات. ولذلك السبب نجد أن أردوغان يصطحب معه في كل زيارة له، ممثلين من مؤسسة “تيكا”، و”يونس أمره”، و”مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية”، و”وقف المعارف”، إضافة لرجال الأعمال، وبالطبع الوزراء الذين سيكونون ممثلين فاعلين في مجال التنمية. وبالتأكيد لا يتوقف دور هذه المؤسسات أو هؤلاء الفاعلين على الكسب فحسب، بل على دور العطاء أيضًا.
وحين القيام بذلك لا يصدر عن أردوغان أي عدم اكتراث إزاء أي دولة إفريقية. على سبيل المثال، دولة غامبيا التي زارها بالأمس للمرة الأولى وكأول رئيس تركي يزورها؛ تعتبر أصغر دولة إفريقية. إلا أنّ موقفها السياسي مع تركيا يعتبر كبيرًا للغاية.
لقد كانت غامبيا أول دولة قامت بإغلاق مدرسة منظمة غولن الإرهابية، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة 2016، وسلّمتها لإدارة وقف المعارف بناء على رغبة تركيا. إضافة لهذه المدرسة التي يدرس فيها حتى الآن 120 طالبًا، فإن وقف المعارف قام باستئجار بناء لمدرسة يمكن أن تتسع 500 طالبًا. وإن هذه الزيادة في القدرة الاستيعابية علامة أخرى على القبول الشعبي الذي تحظى به مدارس المعارف هناك. في الحقيقة، لقد استفادت منظمة غولن الإرهابية على مدار سنوات طويلة وحتى مؤخرًا في الدعاية لمدارسها التي غالبًا ما تعرّف عنها بأنها تركية؛ استفادت من اسم تركيا وأردوغان بشكل ملحوظ. كما أنها استثمرت القبول الحسن الذي يحظى به اسم أردوغان في إفريقيا، ولقد ظنوا غفلة منهم أنّ ما لاقوه من طيب معاملة هناك كرامة تعود لهم.
بدأت مؤسسة “تيكا” التركية فعالياتها في غامبيا منذ العام 2018، ولقد نجحت في تقديم مساعدات تنموية إلى غامبيا على شتى الأصعدة. وعلى الرغم من أن زيارة أردوغان إلى غامبيا تعتبر الأولى من نوعها لأول رئيس تركي، فإن اجتماعًا للجنة الاقتصادية بالخارجية التركية “كارما”، قد عقدت اول اجتماع لها في غامبيا عام 2014، أما الثاني فسيتم عقده في تركيا خلال شهر مايو/أيار من العام الجاري.
يبدو موقع غامبيا في السنغال التي كانت المحطة الأخيرة لزيارة أردوغان الأخيرة لأفريقيا والتي زارها أيضًا في مارس/آذار قبل عامين؛ مثل جزيرة طويلة ناعمة. إن إنشاء مثل هذه الدولة على اعتبار موقعها الجغرافي، يعود تاريخيًّا إلى نتيجة صراع ما بين فرنسا وإنجلترا آنذاك على تقاسم القارة الإفريقية. وإلا فلا فرق جوهري بين السنغال وغامبيا من حيث طبيعة الناس ودينهم ولغتهم، اللهم إلا الاختلاف القبلي فقط.
تعود العلاقات الدبلوماسية التركية مع السنغال إلى عام 1962 حيث افتتحت تركيا سفارتها هناك إلا أن السنغال لم يتسنَّ لها أن تفتح سفارتها في أنقرة حتى العام 2006. وفي الواقع لقد تطورت العلاقات فيما بين البلدين بفضل الصداقة التي تجمع بين أردوغان والرئيس السنغالي، كما هو الحال بين تركيا والعديد من البلدان.
لقد كان لرجال الأعمال الأتراك مساهمة كبيرة في تطوير العلاقات بين البلدين أيضًا. لقد قامت شركة ليماك التركية بإنشاء مطار العاصمة السنغالية داكار، ويتم تشغيل المطار بنجاح كبير عبر هذه الشركة. لكن من الملاحظ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل إلى 400 مليون عام 2018، انخفض إلى 300 ألف في العام 2019، ليتم العمل الآن من قبل البلدين على رفع وتطوير مستوى التبادل التجاري فيما بينهما.
تعتبر السنغال من بين البلدان التي تنشط فيها مؤسسة المعارف الوقفية التركية. حيث تمتلك 4 مقرّات جامعية في 3 مدن مختلفة بالسنغال، فضلًا عن مؤسسات تعليم متعددة في كلّ من العاصمة داكار، وثيس وسانت لويس. أما مدارسها في السنغال فإنها تكتسب قوتها يومًا بعد يوم كعلامة عريقة وذلك من خلال زيادة الإقدام عليها. وإن “المعارف” التركية تزاول نشاطاتها بنفس الطريقة من النجاح في 24 دولة إفريقية أيضًا.
تعتبر السنغال بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، بوابة على غرب إفريقيا التي يقطن فيها قرابة 300 مليون نسمة. وعلى صعيد تاريخي فإن السنغال تعتبر بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا مركزًا رئيسيًّا لتجارة العبيد، لا سيما منذ تأسيس أمريكا والتي بدأت معها تجارة العبيد عبر بوابة السنغال.
لقد كانت جزيرة غوريه مركزًا لتجميع الأفارقة التي يتم استعبادهم بالقوة، ليتم بعدها نقلهم كسلع عبر سفن تجارية، إلى بلاد العالم المتحضر اليوم؛ أمريكا. ومن هذا المنطلق يعتبر السنغال نقطة يمكن من خلالها قراءة التاريخ القذر للعالم الغربي، واستعراض الاستعمار البشري في أشنع صوره.
لقد استعرض الرئيس أدروغان خلال الزيارة السابقة ذلك الفرق التاريخي، عبر كلمته الشهيرة “العالم أكبر من خمسة”، وحينما أكد أننا على عتبة تأسيس نظام عالمي جديد، أعلن أنه يريد أن يكون مع إفريقيا خلال تأسيس هذا النظام.
“كرفاق على درب العالم الجديد، لا يوجد هناك أي نقطة سوداء فيما بيننا على جبين تاريخنا المشترك على مدار ألف عام. وإن تمتعنا بتاريخ نظيف من هذا النوع في الماضي، يحتم علينا مسؤولية كبيرة من حيث وجود تعاون وثيق مشترك لتأسيس مستقبلنا القادم، وإن هذه المسؤولية تعتبر ضرورة يجب تناولها خلال زياراتنا إلى إفريقيا”.