اسماعيل كايا / اسطنبول
تتحضر تركيا للعديد من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل الأوضاع في محافظة إدلب شمالي سوريا ومنها الاشتباك العسكري مع النظام السوري وربما روسيا وعودة الفوضى على الحدود وتراجع الأمن فيها وعودة الهجمات الإرهابية في الأراضي التركية انطلاقاً من سوريا، وغيرها الكثير من السيناريوهات.
السيناريو الأسوأ على الإطلاق الذي تعمل تركيا بكامل ثقلها سياسياً وعسكرياً وإنسانياً من أجل تجنبه، هو سيناريو تواصل هجوم النظام السوري على إدلب وسيطرته على كامل المحافظة وصولاً للحدود التركية.
لكن السيناريو الأسوأ على الإطلاق الذي تعمل تركيا بكامل ثقلها سياسياً وعسكرياً وإنسانياً من أجل تجنبه، هو سيناريو تواصل هجوم النظام السوري على إدلب وسيطرته على كامل المحافظة وصولاً للحدود التركية وهو ما يعني قطعاً نزوح قرابة 4 ملايين سوري جديد إلى الأراضي التركية.
وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة والجهات الرسمية التركية إلى أن محافظة إدلب ومحيطها من أرياف حلب واللاذقية فيها قرابة 3 ملايين مدني سوري سواء من سكان تلك المناطق أو الذين هجرهم النظام تباعاً من كافة المحافظات السورية التي سيطر عليها خلال سنوات الحرب.
وإلى جانب ذلك، تشير التقديرات التركية إلى أن منطقة عملية درع الفرات التي تضم بلدات جرابلس والباب والراعي وأعزاز ومحيطها يعيش فيها أكثر من مليون مواطن ونازح، في حين يعيش في محافظة عفرين الذين نفذ فيها الجيش التركي عملية غصن الزيتون قرابة 400 ألف.
هذه الأرقام تشير إلى أن المناطق التي يخطط النظام السوري للسيطرة عليها بشكل كامل بدعم روسي، يعيش فيها قرابة 4.5 ملايين مواطن ونازح جميعهم من المعارضين لنظام الأسد ويفرون من المناطق التي يتقدم للسيطرة عليها تباعاً كما جرى طوال السنوات الماضية، ويتواصل منذ بدء هجوم النظام الأخير على إدلب ومحيطها.
ومع إكمال النظام سيطرته على ريف حلب، وقرابة 40٪ من محافظة إدلب، يفر السكان تباعاً إلى المناطق الأكثر أمناً في وسط إدلب وأجزائها الشمالية، حيث وصل إلى الحدود التركية حتى الآن قرابة مليون نازح، وفي حال وصول النظام لوسط إدلب يتوقع أن يفر قرابة مليون أيضاً نحو الحدود.
لكن تركيا تتوقع الأسوأ أيضاً، ففي حال سيطر النظام بشكل كامل على إدلب، يتوقع أن يبدأ بمهاجمة مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وبالتالي لن يكون أمام قرابة الـ 4 ملايين مدني المتواجدين في تلك المنطقة سوى خيار واحد وهو النزوح نحو داخل الحدود التركية.
هذا العدد الضخم سوف يضاف إلى قرابة 4 ملايين لاجئ سوري يتواجدون على الأراضي التركية من الذين نزحوا تباعاً منذ بدء الحرب في سوريا، والذين تقول تركيا إنهم تسببوا لها بمتاعب سياسية وأمنية واقتصادية هائلة، وتعمل منذ سنوات من أجل إقامة مناطق آمنة لهم في سوريا وتشجيعهم على العودة إلى الداخل السوري.
ورغم تنفيذ تركيا لثلاث عمليات عسكرية متتابعة (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) وقيامها بتأمين تلك المناطق وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والإنسانية إلا أنها لم تتمكن من إعادة سوى أقل من 400 ألف فقط، وكانت في طور البحث عن أساليب جديدة لإعادة اعداد أكبر لا استقبال ملايين اللاجئين الجدد ليصبح العدد الإجمالي للاجئين السوريين على الأراضي التركية قرابة 8 ملايين وهو رقم تاريخي غير مسبوق يحمل في طياته تحديات سياسية وأمنية واقتصادية كارثية على تركيا.
فمن الناحية الإنسانية والاقتصادية، تقول تركيا إنها لم تعد قادرة على استيعاب أعداد أكبر من اللاجئين على أراضيها في ظل استيعابها لـ 4 ملايين لاجئ سوري، وقرابة مليون لاجئ آخر من دول مختلفة، بالإضافة إلى الصعوبات الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد التركي وعدم قدرته على تحمل أعباء إعادة فتح مخيمات لاجئين وتقديم الخدمات الإنسانية والصحية والتعليمية لهم.
ومن الناحية الأمنية، تخشى تركيا أن تؤدي موجة النزوح الجديدة إلى إعادة زعزعة استقرار الحدود التي جرى تأمينها لدرجة كبيرة، في ظل خشية واسعة من اندساس إرهابيين في صفوف اللاجئين لتنفيذ عمليات إرهابية في الأراضي التركية على غرار ما شهدته البلاد من موجة التفجيرات بين عامي 2015 و2017.
وترى تركيا أن ملف اللاجئين كاف لوحده من أجل تبرير تهديداتها بالتدخل العسكري الواسع ضد النظام السوري في إدلب، ولهذا السبب حشدت أعداداً هائلة من قواتها في المنطقة في الأسبوعين الأخيرين، ولكن في ظل التعقيدات العسكرية والسياسية مع روسيا في سوريا، يمكن أن لا تستطيع تركيا القيام بعملية واسعة تجنباً للدخول في مواجهة مع روسيا، لكن دوائر صنع القرار في أنقرة حسمت أمرها بضرورة وقف تقدم النظام إلى نقطة معينة ربما بعمق 30 إلى 50 كيلومتراً بالحد الأدنى لتكون بمثابة منطقة آمنة يمكن للاجئين البقاء فيها وتجنبها دخولهم إلى الأراضي التركية.