على الرغم من انشغال الحكومة التركية بملفات خارجية ساخنة ومصيرية لا سيما فيما يتعلق بالأوضاع في إدلب والتطورات في ليبيا وشرقي البحر المتوسط، تفجر النقاش السياسي الداخلي مجدداً حول ملفات “حساسة” و”خطيرة” تتعلق بما بات يعرف بـ”الذراع السياسي لتنظيم غولن”، والحديث عن إمكانية حصول محاولة انقلاب جديدة في البلاد، إلى جانب عودة الجدل حول أحداث غيزي بارك في إسطنبول التي اعتبرتها الحكومة “محاولة انقلاب” عقب تبرئة المتهمين بالقضية.
ملفات كبيرة ومتداخلة طرحت جميعها للنقاش الداخلي بقوة وتحولت إلى مادة لتصريحات كبار المسؤولين في البلاد لا سيما الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) كمال كليتشدار أوغلو، وبات الملف الأبرز في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية وكُتاب المقالات في كبرى الصحف الموالية والمعارضة.
الذراع السياسي لتنظيم غولن
عقب محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة التي شهدتها البلاد في الخامس عشر من يوليو/تموز عام 2016، نفذت السلطات التركية حملة تطهير واسعة ضد كل المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم غولن وجرى فصل واعتقال قرابة 200 ألف موظف مدني وعسكري ومحاكمة الآلاف منهم بهذه التهمة، لكن المعارضة التركية ظلت تنتقد اقتصار المحاكمات والعقوبات على العناصر، وطالبت بأن تشمل القيادات السياسية التي كانت تدعم تنظيم غولن.
في تطور غير مسبوق، قال زعيم المعارضة قبل أيام إنه “على الجميع أن يعلم أن الشخص الذي فتح الأبواب لتنظيم غولن، والذي سلم الدولة للتنظيم، والذي يعتبر الذراع السياسي للتنظيم، هو رجب طيب أردوغان”
وفي تطور غير مسبوق، قال زعيم المعارضة قبل أيام إنه “على الجميع أن يعلم أن الشخص الذي فتح الأبواب لتنظيم غولن، والذي سلم الدولة للتنظيم، والذي يعتبر الذراع السياسي للتنظيم، هو رجب طيب أردوغان”، معتبراً أن غولن كان حليفاً لأردوغان على مدى سنوات طويلة، وأن تنظيم غولن تمكن من التغلغل في كافة أروقة الدولة بمساعدة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ورداً على ذلك، خصص أردوغان الجزء الأكبر من خطابه الأسبوعي أمام الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم للرد على اتهامات زعيم المعارضة، وعرض مقاطع فيديو وصوراً قال إنها تثبت علاقة حزب الشعب الجمهوري بتنظيم غولن، متهماً كليتشدار أوغلو بأنه “الذراع السياسي لتنظيم غولن”.
وتقول المعارضة إن تنظيم غولن تغلغل في الدولة بفضل علاقته السابقة بحزب العدالة والتنمية وبالتالي فإن الحزب هو مسؤول عن “تسليم الدولة للتنظيم” وقيادات الحزب تعتبر بمثابة الذراع السياسي للتنظيم ويجب أن تحاكم، في المقابل يقول الحزب الحاكم إن المحاكمات والملاحقات تقتصر على من أبقى على تعاونه مع تنظيم غولن عقب بدء محاربته وإعلانه تنظيماً إرهابياً بعد عام 2013.
والأربعاء، قال أردوغان إنه شخصياً وحزب العدالة والتنمية أول من أعلنوا التنظيم جماعة إرهابية وأعلنوا الحرب عليه، وبث مشاهد مجدداً قال إنها تثبت علاقة كليتشدار أوغلو بقيادات التنظيم، وأعاد الاتهامات لزعيم المعارضة بعدم مقاومة محاولة الانقلاب و”هربه من مطار أتاتورك”، وتطور الجدل إلى رفع دعاوى قضائية متبادلة بين أردوغان وكليتشدار أوغلو.
محاولة انقلاب جديدة
وليس بعيداً عن الجدل المتعلق بتنظيم غولن، عاد الحديث بقوة إلى الشارع التركي عن إمكانية حصول محاولة انقلاب جديدة في البلاد، وذلك بعد تقرير أصدره مركز دراسات أمريكية قريب من البنتاغون وردود الفعل الواسعة عليه من قبل كتاب مقربين من الحكومة وصولاً لتعقيب أردوغان على هذا الجدل.
ونهاية الشهر الماضي، أصدرت مؤسسة راند التابعة للجيش الأمريكي تقريراً خلص إلى أن طرد الحكومة التركية لمئات الضباط في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 سبب حالة كبيرة من عدم الرضا في صفوف الجيش التركي، وأن هناك حالة تململ وغضب واسعة في صفوف الضباط من الدرجة المتوسطة ما يؤشر إلى احتمال حدوث محاولة انقلاب عسكرية جديدة.
وتعقيباً على التقرير، كتب كبار الصحافيين المقربين من الحكومة مئات التقارير والمقالات التي تحذر من احتمال حصول محاولة انقلاب جديدة، وركزوا على ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات الاحترازية وأطلقوا تهديدات بـ”سحق أي محاولة انقلاب جديدة بطريقة أقسى مما جرى في المحاولة الانقلابية عام 2016″، وتحول إلى محور جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا.
ورداً على التقرير الأمريكي، أصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً جاء فيه: “تقرير راند جاء غامضاً بصورة غير منطقية والتعليقات التي تشير إلى الجيش التركي لا أساس لها وغير جادة ويحزننا أن بعض التعبيرات الواردة في التقرير عن عمد أو غير عمد جاءت ملتوية ومستهلكة”، فيما اعتبر وزير الدفاع خلوصي أقار أن “العبارات -في التقرير- تم صياغتها بطريقة ماكرة لكي تستخدم بواسطة دوائر بعينها لإحداث الوقيعة بيننا”.
كما عقب أردوغان على هذا الجدل بالقول إن “مقاومة الشعب التركي لمحاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 يجب أن تكون درساً للجميع”، مضيفاً: “لقد اكتسب شعبنا تجربة عظيمة ومهمة، وفي المرة القادمة لن يترددوا في النزول للميادين”، لمقاومة محاولة الانقلاب كما جرى عام 2016، ولاحقاً لوح بأن عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية بلغ 10 ملايين في رسالة فهمت أنها تهديد لأي جهة تفكر بالقيام بمحاولة انقلابية جديدة.
وفي ظل تصاعد الجدل حول إمكانية حصول محاولة انقلاب جديدة، واصلت الحكومة التركية حملاتها الواسعة ضد المشتبه بانتمائهم لتنظيم غولن، وصدرت، الثلاثاء، مذكرة توقيف بحق حوالي 700 شخص للاشتباه بارتباطهم بجماعة غولن بينهم عسكريون وعناصر شرطة وموظفون مدنيون في وزارة العدل.
أحداث غيزي بارك
وبالتزامن مع كل هذه النقاشات الداخلية الحادة، وفي خطوة غير متوقعة، برأت محكمة تركية، الثلاثاء، رجل الأعمال عثمان كافالا وعددا من الموقوفين بتهمة قيادة تظاهرات “غيزي بارك” في إسطنبول عام 2013 والتي يعتبرها أردوغان محاولة لإسقاط الحكومة.
في خطوة غير متوقعة، برأت محكمة تركية، الثلاثاء، رجل الأعمال عثمان كافالا وعددا من الموقوفين بتهمة قيادة تظاهرات “غيزي بارك” في إسطنبول عام 2013 والتي يعتبرها أردوغان محاولة لإسقاط الحكومة.
وعام 2013 تفجرت احتجاجات عنيفة في حديقة “غيزي بارك” في ميدان تقسيم بإسطنبول رداً على خطط الحكومة لقطع أشجار لبناء مشروع في الحديقة، لكنها توسعت وتحولت إلى احتجاجات سياسية واسعة ضد حكومة أردوغان الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، وكادت أن تؤدي إلى إسقاط حكومته بالفعل بعدما توسعت وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين وقوات الأمن.
وكافالا و16 آخرون متهمون بالسعي للإطاحة بالحكومة، لكن المعارضة ومؤسسات حقوقية دولية دافعت عنهم وقالت إنهم نشطاء مجتمع مدني وإن “محاكمتهم سياسية”، واعتبرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لائحة الاتهام ضدهم المؤلفة من 657 صفحة تفتقر إلى “الحقائق والمعلومات والأدلة” وأنها “لائحة اتهام حددت نظرية مؤامرة خالية من أية حقائق مؤكدة”.
ولم تمر ساعات على قرار التبرئة، حتى أعادت السلطات التركية، مساء الثلاثاء، توقيف عثمان كافالا بأمر من النيابة العامة، وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إنّ كافالا أودع الحبس الاحتياطي في نظارة شرطة مكافحة الإرهاب في إسطنبول في إطار تحقيق متّصل بمحاولة الانقلاب عام 2016. والأربعاء، ورغم تأكيده احترام قرارات القضاء التركية، انتقد أردوغان قرار الإفراج عن كافالا مشدداً على أن ذلك لا يغير من حقيقة أن أحداث “غيزي بارك” كانت مؤامرة ومحاولة للإطاحة بالحكومة، في تحول جديد ينذر بخلافات يمكن أن تتصاعد بين أردوغان والقضاء.