اسماعيل كايا / اسطنبول
يطغى التردد على السياسة التركية تجاه التطورات المتلاحقة في محافظة إدلب شمالي سوريا مع اقتراب انتهاء المهلة التي منحها الرئيس رجب طيب اردوغان لانسحاب النظام إلى حدود نقاط المراقبة التركية أو البدء بعملية عسكرية واسعة لإجباره على الانسحاب للحدود المتفق عليها في اتفاق «سوتشي» مع روسيا.
وعلى الرغم من أن الجيش التركي أتم استعداداته العسكرية الواسعة للقيام بعملية عسكرية في إدلب، إلا أن تردداً واسعاً ما زال يسيطر على كبار القادة السياسيين والعسكريين في البلاد وذلك وسط خشية واسعة من حصول صدام «كارثي» مع روسيا، والخوف من مخطط أمريكي لـ»توريط» تركيا في مواجهة واسعة مع روسيا.
ومنذ أسابيع، تحاول تركيا التوصل لحل سياسي مع روسيا يقضي بوقف إطلاق النار في إدلب لكن هذه المباحثات فشلت حتى الآن في التوصل إلى أي نتيجة مبشرة يمكن أن تمهد لحل دبلوماسي للأزمة، وهو ما دفع تدريجياً أنقرة للاستعداد للخيار العسكري، من خلال إرسال تعزيزات كبيرة من القوات التركية وصلت إلى أكثر من 2500 عربة عسكرية شملت دبابات وناقلات جند وعربات مصفحة ومدافع وقاذفات صواريخ، إلى جانب أكثر من 10 آلاف جندي جرى إدخالهم إلى إدلب استعداداً للعملية التي هدد بها اردوغان.
لكن هذه العملية، وعلى الرغم من تأكيد اردوغان أن أمرها قد حسم، إلا أنها ما زالت محل نقاش سياسي وعسكري معمق في أروقة صناعة القرار في تركيا، وتؤكد مصادر متعددة لـ»القدس العربي» أن التردد ما زال سيد الموقف وأن لا قرار نهائياً في أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية. ويوضح المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، أن القرار صدر منذ فترة بالاستعداد لكافة الاحتمالات لا سيما الاستعداد لإمكانية الاضطرار لتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد النظام السوري والدخول في مواجهة مع النظام ربما تمتد لمواجهة أخطر مع روسيا.
مع اقتراب انتهاء المهلة التي منحها اردوغان لانسحاب النظام
لكن المصدر استدرك بالقول: «صحيح هناك استعدادات واسعة، لكن لا قرار نهائياً لتنفيذ العملية العسكرية، وتجري حسابات دقيقة على كافة الصعد، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً»، لافتاً إلى أن «أنقرة تفهم أن الحل يتمثل في عملية واسعة لكن المخاطر كبيرة جداً وهناك خشية من سيناريوهات كارثية وبالتالي ما زال التردد سيد الموقف، وما زال هناك تعويل على الخيار الدبلوماسي».
ورغم أن المهلة التي منحها اردوغان للنظام السوري تنتهي نهاية الشهر الجاري، إلا أن الرئاسة التركية أعلنت أن قمة رباعية ستعقد في إسطنبول بمشاركة اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لبحث الأوضاع في إدلب، وهو ما اعتبر بمثابة تأجيل غير معلن للمهلة التركية.
وتعتقد أوساط واسعة في تركيا أن أي مواجهة بين تركيا والنظام سوف تكون روسيا طرفاً مباشراً فيها، وهو ما توضح في الأيام الماضية حيث وسعت موسكو دعمها للنظام الروسي، ويسود اعتقاد واسع في تركيا أن أغلب الهجمات التي قتل فيها 16 جندياً تركياً في إدلب بالأيام الماضية، نفذتها روسيا بشكل مباشر، وليس النظام السوري.
وبعد دقائق من تهديد اردوغان بأن عملية إدلب هي «مسألة وقت»، ردت روسيا بالقول إن هذا «أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث»، قبل أن يرد اردوغان مجدداً بأنه يعتقد أن روسيا «لن تكون جزءاً من هذا السيناريو السيئ»، وفي سيناريو عملي على الأرض، نفذ الجيش التركي قبل أيام هجوماً محدوداً على النيرب فهم أنه محاولة لجس نبض رد الفعل الروسي، الذي جاء قوياً حيث نفذت الطائرات الروسية ضربات مباشرة ضد القوات التركية.
وعسكرياً، لن تكون أي مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا وروسيا في إدلب لصالح أنقرة، وذلك في ظل التفوق العسكري الروسي الكبير والسيطرة على المجال الجوي وتفعيل منظمات دفاعية متطورة، وهو ما يزيد المخاوف من قدرة الجيش التركي على التحكم بسير المعركة في ظل تحييد سلاح الجو التركي من قبل المنظومات الدفاعية الروسية.
سياسياً، سيؤدي هذا الاشتباك إلى انهيار العلاقات بين البلدين بشكل كامل، والدخول في صراع على المدى المتوسط وربما البعيد، الأمر الذي سينعكس على الاقتصاد بشكل واسع، ويؤدي للمخاطرة بـ30 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين البلدين وقرابة 6 ملايين سائح روسي يدعمون الاقتصاد التركي سنوياً.
وما يساهم أكثر في التردد التركي حول إدلب، انعدام الثقة بين أنقرة والإدارة الأمريكية وعدم وجود ضمانات بتقديم دعم للجيش التركي من قبل الجيش الأمريكي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل عام، وسط أحاديث ومقالات وتحليلات واسعة في الشارع والصحافة التركية تحذر من الانجرار إلى مخطط أمريكي لـ»توريط» تركيا في مواجهة مع روسيا تستنزفها وتضعفها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
وكان اردوغان قد شكك في نوايا تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري الذي وصف الجنود الأتراك بـ»الشهداء»، كما اعتبر وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن بلاده تشكك في مصداقية التقارب الأمريكي معها إذا كان بسبب الخلاف المتصاعد مع روسيا.هذا التردد والخشية من الدخول في مواجهة صعبة مع روسيا، وانعدام الثقة بالإدارة الأمريكية وحلف الناتو، ما زال يرجح بقوة رغبة أنقرة في التوصل إلى حل سياسي ولو كان «حل وسط» يجنبها الخيار العسكري الذي لا يمكن استبعاده تماماً ويبقى قائماً بقوة.