في إجراء غير مسبوق للحد من تفشي كورونا أعلنت الحكومة التركية وعلى غرار الكثير من دول العالم حزمة إجراءات تمثلت في تطبيق نظام العمل المرن في القطاع العام قبل أن تعلن تطبيقه على القطاع الخاص بعد أيام من حظر السفر الداخلي والخارجي والحد من المواصلات العامة ومنع التجمعات كافة وإغلاق المطاعم والمقاهي والمرافق والمراكز التجارية والإبقاء فقط على محلات بيع المواد الأساسية والغذائية إلى جانب الصيدليات ونقاط بيع المعدات الطبية.
هذه الإجراءات أدت إلى شلل شبه كامل في الحياة العامة وتوقفت بموجبها الكثير من القطاعات عن العمل ما ينذر بتكبدها خسائر كبيرة، وكانت القطاعات الأسرع والأكثر تضررًا تلك التي تنشط بها المشاريع والعمالة العربية على غرار النقل والسياحة والتجارة والفنادق والمطاعم والمقاهي والعقارات والسياحة العلاجية وغيرها الكثير من القطاعات الأخرى.
“نون بوست” التقى مجموعة من أصحاب الشركات الاستثمارية والعمال العرب الذين أعربوا عن مخاوفهم من أن تؤدي الأزمة إلى انهيار الكثير من المشاريع وتوقفها وفقدان آلاف العمال العرب في تركيا فرص عملهم، ما ينذر بكارثة كبيرة قد تلحق بهم جميعًا حال استمرت الأزمة لأشهر طويلة مقبلة.
القطاع السياحي
“النصيب الأكبر من الأضرار كان للقطاع السياحي”، هذا ما قاله السوري محمد علي الذي يعمل مسؤولًا تنفيذيًا لشركة فلاي 29 للسياحة والسفر في تركيا، ولها فروع في خمس دول، مضيفًا: “فيروس كورونا أثر على دول العالم أجمع في شتى المجالات وكان له أثر قوي على شركتنا المتخصصة بالسياحة، حيث تم إلغاء جميع البرامج السياحية التي كانت معدة في فصلي الربيع والصيف وهي فترة ذروة العمل وتحصيل الأرباح للشركة، كما أنه كان لدينا مخططات مسبقة مع شركات عربية وأجنبية مرتبطة بالسفر والحجوزات تم إلغاؤها وإعادة المبالغ إلى أصحابها حتى توقفنا تمامًا”.
الأمر كان غير متوقع وصدمة كبرى بالنسبة لمحمد وزملائه، ففي بداية الأمر قبل وصول الفيروس إلى تركيا، والشركة تعمل وباستمرار تطمئن عملاءها بعدم وجود حالات معلنة ومصابة ولم تعطل الرحلات والسياحة وتسير بشكل آمن إلى أن وصل كورونا في بداية شهر مارس وتفشى على نطاق واسع في تركيا.
وفي السياق ذاته أكد محمد أن الأزمة طالت جميع القطاعات المرتبطة بالسياحة من شركات الطيران التي تسير رحلاتها إلى مختلف الوجهات العالمية والتشبيك مع المطاعم والفنادق والأسواق وغيرها.
كما تهدد هذه الأزمة عددًا ليس بقليل من موظفين إداريين ومرشدين سياحيين وسائقين في شركة محمد بتوقف العمل وجميع العاملين محجورين في منازلهم ضمن الإجراءات الوقائية التي فرضتها الدولة، يقول محمد: “قرر المركز الرئيسي للشركة بأن يتم صرف نصف راتب لجميع الموظفين في شهر مارس وبالنسبة للأشهر القادمة فليس هناك رؤية واضحة ولكن على الأغلب نصف راتب مع تسديد رسوم الضمان الاجتماعي والصحي”.
يعمل معظم العرب في تركيا بالقطاعات المرتبطة بإجادة اللغات الأجنبية وتقديم الخدمات للسياح
وبالنسبة للحلول لتعويض خسارة الشركة فيوضح محمد أنه لا يوجد حل غير الانتظار حتى الآن على اعتبار أن هذا الضرر واقع على جميع القطاعات في الدولة ويأمل بانتهاء انتشار هذا الوباء وعودة الحياة تدريجيًا.
القطاع الأكثر تضررًا
كما هو الحال في معظم دول العالم، تعتبر قطاعات التجارة والسفر والسياحة والفنادق والمطاعم والعقارات، الأكثر تضررًا في تركيا منذ انتشار فيروس كورونا حول العالم وبدء فرض الحجر التدريجي ووقف رحلات الطيران الخارجية والداخلية وتوقف النقل التجاري وتوقف حركة السياحة عالميًا بشكل كامل، وهو ما يتوقع أن يستمر لأسابيع وحتى لأشهر مقبلة.
بلغ العدد الإجمالي للسياح الذين زاروا تركيا عام 2019 نحو 52 مليونًا، بارتفاع فاق 12% مقارنة بعام 2018، وفق وزارة الثقافة والسياحة التركية، وبلغت إيرادات قطاع السياحة العام الماضي 34.5 مليار دولار، بزيادة 17% عن عام 2018، كما يسهم القطاع السياحي بما نسبته 12.1% من الناتج الإجمالي التركي، وفقًا لبيانات المعهد الإحصائي التركي.
ويعمل معظم العرب في تركيا بالقطاعات المرتبطة بإجادة اللغات الأجنبية وتقديم الخدمات للسياح ومنها الفنادق والمطاعم والمقاهي والترجمة والإرشاد السياحي، إلى جانب قطاع السياحة العلاجية وعمليات التجميل وزراعة الشعر والتسويق في المجالات التجارية والسياحية المختلفة، وجميعها قطاعات توقفت مباشرة بفعل الأزمة، يضاف إلى ذلك العمل في مجال بيع العقارات وتأجيرها والتجارة الداخلية والخارجية.
خطة طوارئ لقطاع العقارات
أما قطاع العقارات والاستثمارات فلم ينج أيضًا من أزمة كورونا، يقول الدكتور جلال كحيل المدير العام لشركة A&J: “لا شك أن فيروس كورونا المنتشر في العالم أثر بشكل كبير على تركيا وبالتحديد إسطنبول المتضرر الأكبر كونها بؤرة المشاريع الاقتصادية والتجارية للأجانب والأتراك، حيث تضررت شركتنا المختصة بالخدمات الاستثمارية والعقارات بفعل توقف حركة التجارة والسياحة نتيجة الإجراءات التي أعلنتها الحكومة التركية لمواجهة الفيروس للحد من حركة السكان والتنقل وإغلاق مداخل ومخارج المدن ومنع السفر”.
ويتوقع كحيل – وهو رجل أعمال فلسطيني – زيادة فترة الإغلاق التام في تركيا أو توقف عمل العديد من المشاريع الخاصة، فهناك الكثير من العملاء ممن أوقفوا أو أجلوا معاملاتهم واتفاقياتهم مع شركته، ما أدى إلى تراجع التعاقدات الاستثمارية والاقتصادية، والحد من الاستثمارات الجديدة بشكل عام وخاصة في القطاع العقاري.
ولفت كحيل إلى أن شركته لجأت إلى العمل في إطار خطة طوارئ منذ بداية الأزمة للحد من التبعات السلبية للنتائج الاقتصادية التي ترتبت على انتشار الفيروس والخروج بأقل الخسائر الممكنة.
وعن إمكانية استمرار تلقي العمال أجورهم، يقول كحيل: “لا نعلم ما ستؤول إليه الظروف مستقبلًا لكننا الآن في شركتنا نحرص على مصلحة موظفينا باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من الشركة ونحاول جاهدين أن نساند بعضنا البعض دون إضرار بمصالح الموظفين أو الشركة”.
المطاعم والتجارة
أما قطاع المطاعم ومبيعاتها فقد تأثر هو الآخر إلى جانب السلع والكماليات والملابس وسوق التصدير، تقول المغربية لمياء طبراني التي افتتحت مطعمها الخاص بالمأكولات المغربية (دار الضيافة) قبل ثلاثة أشهر في مدينة إسطنبول: “المشاريع الصغيرة والمتوسطة تأثرت جراء تفشي فيروس كورونا واضطررت لإيقاف مطعمي عن العمل بشكل كامل”.
وتضيف طبراني: “لجأنا إلى الطلب الإلكتروني لتعويض جزء من الخسائر، وفيما بعد اضطرتنا الأزمة إلى التوقف عن تقديم طلبات التوصيل إلى المنازل، ونتمنى ألا تطول الأزمة، خصوصًا لارتباطنا بإيجارات ومصاريف ثابتة ورواتب للموظفين وفي النهاية الجميع متضرر”.
بدوره لفت زوج لمياء عادل الطبراني صاحب شركة جولن ستريم للتجارة وتصدير الألبسة في إسطنبول، إلى أن شركته توقفت تمامًا عن الاستيراد والتصدير وساهمت أزمة كورونا في انخفاض الإيرادات والمبيعات.
واعتبر عادل أن استمرار الأزمة وقضاء الوقت في الحجر المنزلي، أمران لم يكونا بالحسبان لعمله وعمل زوجته لا سيما أن مشارعيهما توقفت ولا يوجد معيل آخر، في حين الأشهر الحاليّة والتجهيزات لشهر رمضان ومع اقتراب العيد تشهد المطاعم والشركات حركة هي رصيدهم وتنعش الوضع الاقتصادي، وفي حال استمرار تفشي كورونا حتى الصيف، فإنه من الممكن أن تتكبد مشاريعهما خسائر فادحة على حد تعبيره.
كما أثرت أزمة كورونا سلبًا على أصحاب العمل اليومي وذوي الدخل المحدود، يوضح السوري أنس الذي يعمل في أحد مراكز التجميل والحلاقة وكان يتقاضى 2500 ليرة (الحد الأدنى للرواتب في تركيا)، أنه تضرر منذ إعلان الحكومة التركية إغلاق كل المراكز التجميلية في إسطنبول وتوقف عن العمل ما أدى إلى توقف دخله الذي كان ينفقه على أسرته المكونة من أربعة أشخاص.
ويقول أنس: “لديّ التزامات وتكاليف تتعلق بالإيجار والمواد الغذائية، ولا يوجد عمل آخر أساند به أهلي وحاليًّا أنفق بعض المدخرات التي حصلت عليها بالشهر الأخير”.
كما يوجه أنس نداءً إنسانيًا، للمساهمة في دعوة وتشجيع أصحاب العقارات السكنية من منطلق إنساني إلى إعفاء المستأجرين ممن توقفت مصادر رزقهم من الإيجارات والنظر إلى العائلات المستورة في ظل الظروف الحاليّة الاستثنائية التي تمر بها تركيا بسبب انتشار فيروس كورونا.
بناء على كل المعطيات السابقة، فإن الأزمة تبدو في بداياتها والإغلاق شبه التام لمعظم الأعمال والمشاريع سوف يستمر لأسابيع وربما أشهر مقبلة، وهو ما يعني استمرار توقف المصالح الاقتصادية خلال فصلي الربيع والصيف وبالتالي انهيار موسم السياحة للعام الجاري وما يعنيه ذلك من انهيار معظم الشركات العربية أو تكبدها خسائر فادحة ومؤلمة بالحد الأدنى كون معظمها يرتبط بقطاع السياحة بتفرعاته المختلفة وهو ما يعني أيضاً خسارة عشرات وربما مئات آلاف العرب في تركيا مصادر دخلهم لعدة أشهر في كارثة لا يمكن التخفيف من آثارها بدون خطوات حقيقية وجادة من الحكومة التركية لمساعدة الشركات والمشاريع في تجاوز هذه الأزمة والتضامن العربي من السفارات والجاليات والجمعيات للوقوف إلى جانب العائلات والشبان من ذوي الدخل المحدود، الأكثر تضررًا في هذه الأزمة.
ريم جبريل / ماجستير صحافة واعلام