بعد توالي الاحتجاجات بعدة مدن مغربية ومن الجاليات المقيمة بالخارج، على وفاة بائع السمك بالحسيمة (شمال المغرب) الذي طحن داخل شاحنة لنقل النفايات، صدر تقرير عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة (المدعي العام) يكشف حيثيات الواقعة التي هزت المغرب .
11 موقوفاً بسبب “طحن” فكري
وأمر وكيل الملك بمدينة الحسيمة، في قراره الصادر الثلاثاء 1نوفمبر/تشرين الأول، بإحالة 11 شخصاً على قاضي التحقيق في قضية وفاة محسن فكري قبل إحالتهم على القضاء.
ومن بين هؤلاء الذين أحيلوا على قاضي التحقيق بحسب قرار وكيل الملك، رجلان من رجال السلطة المحلية ومندوب الصيد البحري ورئيس مصلحة مندوبية الصيد البحري والطبيب البيطري -رئيس المصلحة-، وذلك بعدما تم الاستماع في البحث إلى ما يفوق 20 شخصاً، وإجراء معاينات ومواجهات.
وأفاد القرار بأن الموقوفين يتم التحقيق معهم بتهمة القتل غير العمد.
كيف “طُحِن” فكري؟!
التحقيق الذي أجرته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتعليمات من وكيل الملك، أظهر أن الشاب محسن فكري، صعد مصحوباً ببعض الأشخاص إلى الجهة الخلفية لشاحنة النفايات التي كانت ستنقل الأسماك المملوكة له والتي احتجزتها السلطات.
ويذكر التحقيق أن سائق الشاحنة تلقى إشارة من أحد عمال الشركة بتزويد آلة الضغط الخاصة بطحن النفايات بالكهرباء، ثم اشتغلت آلة الضغط جراء جر الجهاز الموجود في يمين الجهة الخلفية للشاحنة مما أدى إلى وفاته، دون أن يذكر التقرير ما إن كان السائق نفسه من قام بجر الجهاز أم شخص آخر.
التحقيق أشار إلى أن آلة ضغط النفايات تقع في الجهة الخلفية للشاحنة، ويتم تشغيلها بعد تزويدها بالكهرباء بواسطة زر يقع بمقطورة القيادة الأمامية من قبل السائق، وكذلك بجر جهاز آلي يوجد في الجهة اليمنى الخلفية للشاحنة.
هذه الرواية تكون أقرب إلى ما أوردته جريدة الغاردين البريطانية، نقلاً عن أحد الشهود الذي صرح لقناة Media24 المغربية قائلاً: “كان هنالك ثلاثة أشخاص، بائع السمك واثنان من أصدقائه. تسلق ثلاثتهم على ظهر الشاحنة لإنقاذ بضاعتهم. توقفت المطحنة عندها ولكنها عملت مرة أخرى بشكل مفاجئ. قفز صديقا محسن من الشاحنة، أما هو، فقد انحشر بالداخل ولم يستطع الخروج في الوقت المناسب”، مضيفاً أنه “من المستحيل أن أعرف إن كانت المطحنة قد عملت من تلقاء نفسها أم بواسطة أحد. ولكني لم أسمع أحداً يعطي الأمر بذلك. كان عامل القمامة في السيارة ذلك الوقت”.
هكذا وصلت شحنة السمك إلى شاحنة النفايات
بحسب الرواية التي قدمها تقرير وكيل الملك ، فإن الضحية محسن فكري كان قد اشترى حوالي نصف طن من سمك أبو سيف المحظور اصطياده في هذه الفترة من العام بحسب قرار وزاري، مضيفاً أنه كلف شخصاً بنقل هذه الكمية على متن سيارة نقل لم تخضع للمراقبة أثناء مغادرتها الميناء، ولكن عنصراً أمنياً مداوماً أبلغ عن الأمر ليتم إيقاف السيارة وسط المدينة.
وأورد قرار المدعي العام، أنه بعد إيقاف الشحنة أكد ممثل عن مندوبية الصيد البحري، مخالفة الضحية للقانون المنظم لصيد السمك، ثم جاءت الشرطة القضائية بتعليمات من النيابة العامة التي أمرت بإحالة السائق والأسماك المحجوزة إلى مندوب الصيد البحري لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في الموضوع.
وتابع المصدر نفسه أن الطبيب البيطري أفاد بعدم صلاحية الأسماك للاستهلاك لعدم وجود وثائق تثبت مصدرها مما يقتضي إتلافها.
المثير في القضية بحسب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالحسيمة أن “اللجنة المكونة من مندوب الصيد البحري ورئيس مصلحة الصيد البحري والطبيب البيطري وممثل السلطة المحلية استدعت، من أجل القيام بعملية الإتلاف، شاحنة نقل النفايات التي اشترط أحد المسؤولين عنها الحصول على أمر بالإتلاف قبل نقل كمية السمك المحجوزة،إلا أن اللجنة عمدت إلى تحرير محضر بإتلاف السمك المحجوز قبل القيام بهذه العملية، تم تسليم أصله لممثل الشركة”، ما يعني أنه تم تزوير أوراق رسمية وهو ما يكتسب طابع جناية بحسب النيابة العامة.
هل تعمّد طحنه؟
في الوقت الذي انتشر فيه هاشتاغ #طحن_مو بمواقع التواصل الاجتماعي رداً على عبارة تلفظ بها شرطي خلال عملية طحن السمك، أكد تقرير المدعي العام، أنه “لم يثبت من البحث المجرى في الواقعة صدور أي أمر بالاعتداء على الضحية من قبل أي جهة”.
وهو الأمر الذي سبق للمديرية العامة للأمن الوطني -جهاز الأمن المغربي- أن نفته مؤكدة أن “المزاعم التي تنسب لموظف شرطة إعطاء الأمر لسائق الشاحنة بتشغيل آلية الضغط على النفايات، المتصلة بالمقطورة، تبقى مجرد ادعاءات غير صحيحة على اعتبار أن ذراع التحكم في هذه الآلة الضاغطة توجد في الجهة اليمنى لآخر الشاحنة، ويستحيل على السائق التحكم فيها وهي المهمة التي يضطلع بها عادة مستخدمون آخرون غير السائق”.
وأوضح بلاغ وكيل الملك على أن النيابة العامة “من خلال دراستها لتفاصيل الأحداث وتصريحات الأطراف، رجحت كون الأفعال المرتكبة تكتسب طابع القتل غير العمدي، ومضيفاً أنه يبقى للقضاء الذي سينظر في القضية أن يقرر ما يراه ملائماً بشأنها طبقاً للقانون”.
وأوضح قرار المدعي العام أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية -جهاز أمني-، الكائن مقرها بالدار البيضاء (وسط المغرب) تولت التحقيق بتكليف من قبل المدعي العام نظرا لخبرتها وضماناً للتجرد والحياد في عملها.
فكري المغرب وبوعزيزي تونس
وأعادت واقعة وفاة الشاب محسن فكري بين فكي آلة ضغط بشاحنة لنقل القمامة، والتي أدت إلى خروج المغاربة في الشوارع بمختلف المدن للتعبير عن غضبهم، إلى الأذهان ما وقع في تونس إثر قيام البائع محمد البوعزيزي بحرق نفسه بعدما صفعته شرطية لتقوم الثورة ويتم إسقاط نظام زين العابدين بن علي، ويتم إشعال شرارة الربيع العربي برمته سنة 2011.
وأوردت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن هذا الحادث “دفع إلى المقارنة بينه وبين محمد البوعزيزي، بائع الخضر التونسي الذي أشعل النار بجسده بعد أن صفعته شرطية، وأشعل بعده شرارة الربيع العربي يناير/كانون الثاني 2011”.
وأورد المصدر نفسه أنه “أياً كان ما حدث، فقد أثَّر بشكل كبير في نفوس المغاربة الذين تعاملوا مع الربيع العربي وتوابعه باضطراب أقل بكثير من الدول الأخرى بالمنطقة”.
ونقلت الصحيفة على لسان عبد الله لفناتسة، الزعيم بالحركة اليسارية في المغرب، تصريحه خلال وقفة أمام البرلمان المغربي بالعاصمة الرباط قوله: “الناس غاضبون حقاً. ولا يمكن السكوت أكثر من ذلك”، مضيفاً أن “العديد من الطلبة والعمال والنشطاء يموتون كل يوم جراء عنف أجهزة الشرطة”.
غير أن شقيق الضحية خرج على قناة “ميدي1” العمومية، وهو يتلو بياناً مكتوباً ليؤكد على استنكار الأسرة “كل المزايدات الإعلامية والسياسية التي تسببت في إيذائنا وإيذاء الشهيد وانتهاك حرمته بصفة خاصة”.