صادق الطائي، كاتب عراقي
ما أن تهدأ حدة الاتهامات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حتى تشتعل من جديد لسبب أو لآخر، التوتر بين الدولتين اختط مسارا تصاعديا منذ دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ووصل هذه الأيام إلى قمة غير مسبوقة، نتيجة أزمة جائحة كورونا الاخيرة.
توقعات المحللين أن التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا، والانهيار الكبير الذي تسببت به عمليات الحجر الصحي، الذي تسبب في إيقاف عجلة الاقتصاد في دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، سيدفع إدارة ترامب سريعا نحو خيار الحرب على الصين. فكيف سيكون إعلان الحرب؟ وهل ستكون حربا شاملة لتوصف بأنها حرب عالمية ثالثة؟ أم ستكون حربا تقليدية محدودة؟ وما هي انعكاسات وتأثيرات هذه الحرب على مختلف دول العالم؟ وهل سنشهد ولادة نظام عالمي جديد بعد هذه الحرب؟ كل هذه الأسئلة مطروحة اليوم وبقوة، ليس من باب التكهن، أو التشاؤم في النظر إلى الوضع العالمي، إنما هي أسئلة تتولد نتيجة قراءة معطيات الأزمة وتأثيراتها السياسية والاقتصادية.
في بدء اندلاع أزمة كورونا في الصين، كان موقف إدارة ترامب مختلفا كليا، إذ تميز الموقف الأمريكي في بدء الأزمة بتهكم الرئيس ترامب من الوباء، ومحاولة تصوير الأمر على إنه عبارة عن موجة مرضية عارضة وعادية، تسعى الصين لاستثمارها بشكل ما. وبعد أن تأكدت مخاوف العالم، وابتدأ الجميع اتخاذ المواقف الصارمة لمواجهة الجائحة، والالتزام بتعليمات منظمة الصحة العالمية، تحول الموقف الأمريكي إلى التشكيك والاتهام، وانطلقت نظريات مؤامرة مفادها أن الفيروس من منتجات مختبر ووهان لتطوير الأسلحة البيولوجية، وعندما ذكرت تقارير منظمة الصحة العالمية أن لا أدلة على أن الفيروس مصنع، وأن تطوره طبيعي، انتقل اتهام ترامب وإدارته لينصب على منظمة الصحة العالمية، واتهامها بأنها منحازة للجانب الصيني، والنتيجة امتناع الولايات المتحدة عن دفع حصتها في تمويل المنظمة الدولية، إذ منع ترامب دفع مبلغ 500 مليون دولار، كانت تقدمها الولايات المتحدة سنويا للمنظمة الدولية كعقوبة لمواقفها.
عرّت أزمة كورونا النظام الصحي في الولايات المتحدة، وأظهرت عجز وتخبط إدارة ترامب في مواجهة الجائحة، واليوم فاق عدد الإصابات في الولايات المتحدة كل دول العالم، إذ تجاوز عدد الإصابات المليون ومئة ألف إصابة، ووصل عدد الوفيات إلى عدد يفوق القتلى في حرب فيتنام، إذ جاوز عدد وفيات جائحة كورونا 64 ألف شخص، لكن الأثر الأهم الذي تركته أزمة كورونا، تمثل في انهيار الاقتصاد الأمريكي بشكل غير مسبوق تاريخيا، ما دفع الحكومة الأمريكية لتبني خطة إنقاذ اقتصادية، سيتم تنفيذها عبر التعهد بتقديم 2.2 ترليون دولار لدعم الشركات الأمريكية، ما يعني من جانب آخر ارتفاع الدين العام، إلى حدود غير مسبوقة تاريخيا، لذلك بات حدوث كساد وانكماش اقتصادي أمرا شبه مؤكد، والمتوقع أنه هذه المرة سيكون أكبر من الكساد الكبير الذي أصاب العالم نهاية عشرينيات القرن العشرين، الذي يعد أحد أسباب صعود تيارات الفاشية والنازية في أوروبا في عقد الثلاثينيات، التي أدت في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.
عرّت أزمة كورونا النظام الصحي في الولايات المتحدة، وأظهرت عجز وتخبط إدارة ترامب في مواجهة الجائحة
لكن هل فكرة نشوب حرب امريكية – صينية وليدة أزمة كورونا؟ مراكز الدراسات والخبراء تقول (لا) بكل تأكيد، فالأزمات بين القوتين اتسمت بوتيرة متصاعدة منذ بداية الألفية الثالثة، لكن سياسات الإدارات الأمريكية واجهت الامر بطرق وأساليب مختلفة. ويرى ستيفن إم والت، الأستاذ بمركز روبرت ورينيه بيلفر، التابع لقسم العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية؛ أن «جهود الرئيس السابق باراك أوباما كانت منصبة على إعادة التوازن بين القوتين الأمريكية والصينية، وعمل على ذلك عبر دفع الشراكة عبر المحيط الهادئ، من خلال مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون. لكن الرئيس دونالد ترامب مزق هذه الاتفاقية في يومه الثالث في المنصب. وبدلًا من الاصطفاف مع اليابان وكوريا الجنوبية، والاتحاد الأوروبي واقتصادات كبرى أخرى لمواجهة الصين، بسبب ممارساتها التجارية غير العادلة، اختار ترامب خوض معارك تجارية مع الجميع تقريبًا، وبالتالي تُركت الولايات المتحدة لمواجهة الصين بمفردها».
توقعات سيناريوهات افتراضية للحرب الأمريكية الصينية متداولة منذ سنوات، إذ أن مؤشرات عديدة تشير إلى تنامي اقتصاد الصين بشكل مطرد، ما أوصله إلى عتبة التساوي مع الاقتصاد الأمريكي، وربما تجاوزه بحسب التوقعات في 2030، وهذا يعني أن اقتصاد الصين سيكون الأول عالميا، وهذا ما لن تسمح به الولايات المتحدة بشكل سلس، ومع أزمة كورونا وتهديدات ترامب ورموز إدارته واتهامهم الصين بالتسبب بالكارثة، بل ومطالبتها بتحمل خسائر الاقتصاد الامريكي التي ستصل إلى تريليونات الدولارات، التي ستمتنع الصين بكل تأكيد عن الرضوخ لها، سيتعمد ترامب افتعال أي أزمة لبدء حرب يتوقع أن تنشب في بحر الصين الجنوبي.
ويعد تقرير مجلة «الايكونوميست» الذي نشرته في يوليو 2019، من بين أهم التقارير التي تناولت السيناريوهات الافتراضية للحرب الامريكية الصينية، فقد رسم التقرير الذي نشر تحت عنوان «ماذا لو؟» الذي تضمن سيناريو حدوث حرب عسكرية بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي، وقد حدد التقرير موعدا لنشوب حرب تقليدية محدودة في التاسع من أكتوبر 2020، قبيل المناظرة الرئاسية الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسيسعى الرئيس ترامب إلى استغلال الأزمة التي سيفتعلها لإعلان الحرب على الصين، ليحقق الفوز بالانتخابات، بعد أن يلقي اللوم على الديمقراطيين، ويتهمهم بنشر الاكاذيب بخصوص الأزمة، كما يتوقع التقرير فوز ترامب بدورة رئاسية ثانية.
وترسم «الايكونومست» سيناريو افتراضيا يقوم على أساس أزمة تنشب بين المدمرة الأمريكية يو أس أس McCampbell التي ستتعرض لمواجهة مع سفن صيد صينية بالقرب من جزر باراسيل في بحر الصين الجنوبي، وتؤدي إلى مقتل صياد صيني، فتحاصرها سفن الصيد الصينية والزوارق الحربية الخفيفة، وتحتجزها قرب المياه الإقليمية الصينية، مع مطالبة بتسليم جندي مشاة البحرية الذي قتل الصياد الصيني، لتنشب أزمة دولية شبيهة من حيث التوتر والتصاعد بأزمة خليج الخنازير، التي نشبت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على خلفية نشر الصواريخ النووية السوفييتية في كوبا عام 1962.
ويتوقع تقرير «الأيكونوميست» أن الدورة الرئاسية الثانية للرئيس ترامب ستشهد انسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو، وسيقرأ هذا الانسحاب على إنه إضعاف للدور الأوروبي، والتفرغ لمواجهة الصين، وإن هذه المواجهة مقبلة لا محالة، ويقرأها المحلل الاستراتيجي الروسي الكسندر نازاروف، الذي كتب مقالا في عام 2018 قدّم فيه رؤيته للحرب الأمريكية الصينية بقوله إن «القدرة العسكرية الصينية، على الرغم من نموها المطرد، إلا أنها لن تقارن بالقدرات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، ففي الوقت الذي تعجز فيه الصواريخ الصينية العابرة للقارات عن مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، مقارنة مع أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية، لذلك فواشنطن مطمئنة من خسارة محدودة، حال تطور أي صراع مع الصين إلى صراع نووي. لكن الأمر لن يتطور إلى هذا الحد، فيكفي حصارا بحريا، مع إجراءات عسكرية محدودة، تثبط الروح المعنوية الصينية، وترغم الصينيين على الاعتراف بالهزيمة، والجلوس إلى طاولة التفاوض وتوقيع اتفاقيات».
رجل الأعمال العربي طلال أبو غزالة كان من بين الأصوات المميزة، وقد أدلى بتصريحات عن سيناريوهات الحرب المقبلة، وذكر في أكثر من لقاء منذ عام 2017 أن «الولايات المتحدة ستقوم بإغلاق الطريق المؤدي إلى بحر الصين الجنوبي، ولذلك أمريكا الآن تحاول السيطرة على أماكن وجود النفط، بالتالي إذا منعت وصول النفط إلى الصين تكون بداية الأزمة، ونحن نعلم أهمية النفط كعنصر طاقة للاقتصاد الصيني، لذلك سيحدث الصدام، بالتالي سيتوقف كل شيء في الصين، والأزمة ستستمر عدة شهور، ثم يقوم الطرفان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. ودائما الحروب تنتهي باتفاقيات، كما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحروب الإقليمية، وسينتج عن ذلك نظام عالمي جديد تماما مختلف عن النظام الحالي». ولكن أبو غزالة يبدو متفائلا بخصوص نتائج الحرب المقبلة وما ستفرزه من نظام عالمي جديد قائم على قطبية ثنائية، أو حتى قطبية متعددة، وبالتالي ستحظى منطقة الشرق الاوسط باهتمام، وإعمار متزايد من الأقطاب المتنافسة التي ستخرج من الحرب، لأن الشرق الأوسط سيبقى الموقع الاهم لمصادر الطاقة، سواء التقليدية كالنفط والغاز، أو المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح والمياه، إذ ربما ستكون الحرب المقبلة مخرجا لعام الأزمات الذي عشناه، وربما تكون أمنية فقط.