“اعتقد الكثير منا، ربما لبضعة أشهر الآن، أننا سنستمتع بأيام عيد الفطر هذا كعائلة من خلال رفع الحجر وتبادل الزيارات، وفي الأخير، سنكتشف فقط المناطق الداخلية الموجودة في المنزل، تلك الخاصة بالذات وبالعلاقات الأسرية وحميميتها”.
وتقول سمية الأنصاري (35 سنة): “لا أتذكر عيدا بعيدا عن بيت والدي، واليوم أتواصل معهم عن طريق محادثة فيديو، شيء جميل، لكنه في نفس الوقت قاتم”.
فإلى أن قطع الفيروس التاجي طريقه، كان عيد الفطر وقتًا للم شمل الأسر، وبعد أربعة أسابيع من الصيام الذي تميز بقيود الحجر على الحركة، يبدأ الاحتفال اليوم الأحد في المغرب بتدابير الحجر الصحي الإضافية.
لأول مرة في تاريخ مسلمي هذا القرن، يأتي عيد الفطر بلا صلاة عيد، بلا تجمعات عائلية وبشوارع خالية
ولأول مرة في تاريخ مسلمي هذا القرن، يأتي عيد الفطر بلا صلاة عيد، بلا تجمعات عائلية وبشوارع خالية إلا من رجال الأمن، إذ يأتي العيد في واحدة من أكثر الفترات الفريدة في العالم، منذ أن فرض وباء الفيروس التاجي غلق كل المساجد ومنع اللقاءات العائلية التي باتت تعرف بـ”التباعد الاجتماعي”. في المغرب، يسود الحذر من التجمعات، خاصة وأن البؤر الوبائية باتت تهدد البلاد، فمنذ اللحظات الأولى لتفشي الجائحة فرض عدم الذهاب إلى المساجد، وأمر بإغلاقها، ونُصح باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب العدوى.
تم تحديد تاريخ نهاية هذا الشهر المقدس ليلة البارحة، وأعلنت السلطات الدينية بالمغرب عيد الفطر، اليوم الأحد، في جو من التباعد يغتال فرحة العيد بالبلاد التي بلغ فيها إجمالي الإصابات 7375 حالة، فالمناسبة مختلفة هذه المرة، لأنه لن تكون هناك صلاة للعيد، ولا ذهاب للمصلى، فقد حلت محلها الصلاة بالمنزل ومع العائلة.
وأفتى المجلس العلمي الأعلى (دار الفتوى بالمغرب)، في بيان له، أن صلاة عيد الفطر لهذه السنة “تصلى في المنازل والبيوت، مع الأخذ بسنية الاغتسال والتطيب والتكبير قبل الشروع فيها، وذلك بالنظر للظروف الراهنة الصعبة التي يجتازها المغرب وغيره من الدول جراء تفشي وباء كورونا“.
أيام عيد الفطر، اعتادت الكثير من العائلات فيها على السفر وزيارة الأسرة، ولكن هذا العام تم حظر كل ذلك إلى حد كبير من قبل السلطات التي تحاول احتواء انتشار الفيروس.
وفي نظر علي، (28 سنة)، باحث في علم الاجتماع، يتماثل هذا العيد مع مطلع قصيدة المتنبي “عيد بأية حال عدت يا عيد”، بحيث “أثر التباعد الاجتماعي على حميمية العيد عند المغاربة”.
ويضيف علي: “تزداد درجة العلاقات الاجتماعية في هذه المناسبات الدينية، خاصة بين العائلة والأصدقاء، ولكنه يأتي هذا العام بصورة لم نشهدها من قبل”.
العديد من جوانب العيد، التي اعتاد عليها الناس، ليست ممكنة هذه المرة، وفي هذه المناسبة، سيتساءل العديد من المسلمين في الناس عن كيفية الاحتفال تحت تأثير “كوفيد-19”.
ويرى علي أنها “حالة نفسية يمكن تجاوزها بتقبلها كوقاية صحية وليست حبسًا”، مشيرًا إلى أن “حقيقة إغلاق المساجد لا ينبغي أن تكون عائقا، بحيث أن العبادات لا تقدم ذلك على صحة الإنسان”.
ويؤكد الباحث الجامعي أنه “يجب ألا ننسى أننا في عالم يمكن فيه التواصل مع العائلة صوتًا وصورة، ولذلك، يجب استغلالها في التخفيف من ضغط الحجر، والمساعدة على عدم الشعور بالوحدة في هذه الظروف الصعبة”.
كل شيء يلفه الفراغ، فالناس الذين كانوا يملأون الشوارع بإيماءاتهم اليومية، ضجيج سياراتهم، صدى خطواتهم، أجاءتهم الجائحة إلى سقوف بيوتهم خوفًا وخشيةً من الإصابة بالفيروس، ولا أجواء للعيد خارج حيطان المنازل.
هذا الوضع، كما تراه الأنصاري، “يسمح لنا بتقدير الحياة من موقع الضعف الذي نعيشه الآن، في هذه الظروف الصعبة… ولكننا نختبرها ونعيش كمجتمع متلاحم”.