بقلم / عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط ، رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية
بين قرار تمديد حالة الطوارئ الصحية من عدمه، عاش المغاربة ساعات عصيبة، مساء اليوم، بسبب التخبط الحكومي والتردد في الإعلان عن قرار واضح، فقد قدم رئيس الحكومة، السيد سعد الدين العثماني، انطباعا سيئا للغاية، حين ترك المغاربة رهائن تسريبات صحفية، ابتدأها هو شخصيا حين آثر أن يخاطب وسيلة إعلامية أجنبية، خصها بمعطيات كان الأولى أن يعلم بها المواطنات والمواطنين، قبل غيرهم، فكانت رسالة سيئة، زادت من الانقسام وعمقت جراح الوطن وهو يكافح من أجل صد تداعيات هذه الجائحة، لقد عشنا أسوأ اللحظات، ونحن نشاهد حكومة الحزب الأغلبي، تتخلى عن دورها الدستوري والسياسي، في طمأنة الشعب بعيدا عن اي صراع سياسي وحرب التسريبات، فقد ظهرت الحكومة غير قادرة على حسم أمرها في عز الازمة !!!.
لقد كان السيد العثماني، في حل من أمره، وله متسع كبير من الوقت، لكي يأخذ وقته الكافي، ولا يضيق علينا ويضيق على نفسه، فحين قلنا أنه لا مجال التردد أو الضعف، وشددنا على الدور الكبير لحكومة جيدة، والقدرة الفائقة على إدارتها الأزمات، لم نكن نتحدث من فراغ، فهذا التأخر في الإعلان عن قرار مصيري الأمة، هو خطأ فادح تتحمل جميع مكونات الحكومة مسؤوليته، فلا يمكن أن يستمر السيد رئيس الحكومة، في الاستهتار بمسؤوليته الوطنية، التي لا تتناسب مع القرارات الملكية السامية، التي كانت استباقية، وجنبتنا مخاطر محذقة بنا، بفضل جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
فلا نعتقد أن رئيسا للحكومة في العالم مثل السيد العثماني، في طريقة تواصله الفاشلة، فهو ظل يرفض الإفصاح عن خطة إنقاذ الاقتصاد والحد من التداعيات الخطيرة الوباء كورونا، متعذرا بأسباب واهية، إنه اليوم يعمق من أزمتنا السياسية في تدبير هذه الجائحة، لتخفيف الحجر الصحي واستمرار حالة الطوارىء الصحية لمدة شهر، لا تعفي كل مكونات الحكومة، في تحمل المسؤولية الكاملة، وهم يعلنون رسميا على المصادقة على مشروع مرسوم رقم 2.20.406، والذي يمدد حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر واحد، سينتهي يوم 10 يوليوز المقبل، قبل أن نشاهد تخبطا وارتباكا تراجعت على إثره الحكومة عن الصيغة الأولى من مشروع المرسوم والذي تضمن تمديد حالة الطوارئ الصحية إلى غاية 8 غشت، قبل أن يتم تعديلها داخل المجلس الحكومي، لتكتفي الحكومة بشهر واحد عوض شهرين.
المجلس الحكومي اليوم، شهد نقاشا متأخرا للأسف، حول آجال التمديد والذي كان محل خلاف بين أعضاء الحكومة، ليتم تقليص مدة الطوارئ الصحية، مما افقدنا البوصلة في تدبير الأزمة بنجاح، لأن القادم اسوأ، ولا مجال لتضييع ولو دقيقة واحد من الزمن السياسي، وللأسف حول رئيس الحكومة هذه اللحظة التاريخية، إلى خيبة أمل، بدل أم تكون فرصة سانحة لتعبئة كل الموارد البشرية والكفاءات العلمية الوطنية من أجل التفكير وحسن التخطيط والتدبير واتخاذ القرارات الجريئة والمناسبة، والتي تأخذ بعين الاعتبار كل التحديات والآثار السلبية للجائحة على الاقتصاد وعلى المجتمع، بالإضافة إلى تضرر قطاعات عدة وحساسة، بسبب حالة الطوارئ الصحية، المفروضة منذ شهر مارس، فإن أثرها النفسي أصبح مُقلقاً للغاية، وبات همّ المغاربة يومياً هو معرفة متى يمكنهم العودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية والخروج من روتين الحجر المنزلي.
وفي وقت نهجت دولٌ سياسة تواصلية واضحة ومُفصلة أمام المواطنين لإطلاعهم على خطة رفع الحَجر الصحي لكي يتمكنوا من الامتثال للإجراءات والتدابير المقررة، غاب هذا النقاش نهائياً في المغرب على المستوى الحكومي، وشاهدنا ارتباكا وضعفا شديدين، والحال أن هناك ملفات عالقة، ينبغي التسريع بعلاجها، في الوقت المناسب.
ويزيد هذا الوضع من عدم اليقين والضبابية لدى عدد من الفاعلين الاقتصاديين، خصوصاً في القطاعات التي تضررت من أزمة كورونا.
لقد بدا أن هناك أزمة حقيقية عند السيد العثماني بخصوص عملية صناعة القرار ببلادنا، ولا يخفى على أحد أن هذه الأزمة ذات بعد مركب، وأننا أضعنا وقتا كبيرا بشكل جماعي، لم نستطع من خلاله وضع قواعد واضحة لصناعة القرار تتسم بكثير من الديمقراطية والشفافية وأساسا المسؤولية، لم نحقق نجاحات كبيرة، وظهر ذلك جليا في الارتباك الذي طبع اتخاذ أكثر القرارت مصيرية وأهمية منذ منتصف مارس الماضي، و الوضع اليوم يكشف ذلك بشكل أكثر وضوحا واستفزازا، إذ أننا على بعد ساعات معدودة من التاريخ المعلن لنهاية الحجر الصحي، ومع ذلك لم تتخذ الحكومة أي قرار، إننا بهذا الاستهتار الحكومي، قدمنا رسالة سياسية سيئة، تقول بأن القادم من الأيام لن يكون سهلا، إن لم تتدارك حكومة العثماني أخطاءها، وتمتلك القدرة على التدبير المحكم لهذه الأزمة الممتدة، لأن بلادنا في حاجة ماسة وراهنة مستعجلة لفريق حكومي منسجم وقوي، يحمل الإرادة الملكية السامية، ويحفظ الأمانة السياسية ، التي تقتضي اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها، بعيدا عن الايديولوجيا والصراعات الخفية لجهات لا تريد مصلحة الوطن، ويهمها أن يبقى منقسما على نفسه، والحال اننا بحاجة ماسة لحلول اقتصادية بالاساس ولقرارات حكومية منسجمة وقوية.