التقرير السنوي الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حول حقوق الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، كان مقدراً له أن يكون «قائمة عار» في وجه الدول والجماعات والكيانات التي تنتهك تلك الحقوق وترتكب جرائم حرب بحق الأطفال. لكن التقرير انقلب إلى لائحة عار معاكسة تفضح عجز المنظمة الأممية عن توجيه أصابع الاتهام إلى الأطراف التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات الأشد جسامة، وذلك خشية ما ستتعرض له الأمم المتحدة من ضغوط مالية وسياسية جراء تبيان الحقيقة.
ولم يكتف تقرير الأمين العام باستبعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقوات الروسية في سوريا والقوات الأمريكية في فييتنام والقوات المسلحة في ميانمار، وعدم تحميلها أي مسؤولية عن إزهاق أرواح مئات الأطفال في هذه المناطق، بل عمد كذلك إلى حذف التحالف السعودي ــ الإماراتي من القائمة رغم الإقرار بمسؤولية هذا التحالف عن مقتل 222 طفلاً وتنفيذ أربع هجمات على مدارس ومستشفيات أطفال خلال العام 2019، ورغم إبقاء التقرير على الحكومة اليمنية وجماعات الحوثي.
وكانت ممثلة الأمين العام الخاصة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة قد عزت حذف التحالف السعودي ــ الإماراتي إلى «انخفاض كبير ومستمر في القتل والتشويه الناجم عن الضربات الجوية وتنفيذ التحالف للإجراءات التي تهدف إلى حماية الأطفال»، مؤكدة أن المنظمة لم تتعرض إلى أي ضغوط بهذا الشأن. ومن الواضح أن الأمم المتحدة افتقرت هذه المرة إلى الشجاعة التي تحلى بها الأمين العام السابق بان كي مون، حين اعترف بأن الأمم المتحدة اضطرت إلى حذف التحالف من قائمة 2016 بعد أن مارست السعودية سلسلة ضغوط «غير مقبولة» بلغت درجة التهديد بقطع جزء من تمويلها لميزانية الأمم المتحدة.
فهل كان يتوجب على التحالف السعودي ــ الإماراتي أن يقتل 500 طفل يمني، بدل الـ222، حتى يستحق الإبقاء عليه في «قائمة العار»؟ أم أن مكاتب الأمين العام غافلة حقاً عن الإحصائيات الرهيبة والمخيفة التي تنشرها المنظمات الأممية ذاتها بصدد ما يعانيه أطفال اليمن من مجاعات وأوبئة ونزوح تحت وطأة التدخل العسكري للتحالف وعمليات القصف الوحشية وأجندات تقاسم اليمن ومحاولات تقسيمه؟
وهل نسي غوتيريش أنه هو الذي أصدر مطلع هذا العام نداءً مسهباً حول حقوق الإنسان عموماً وإجراءات حماية الأطفال واللاجئين والنازحين في مواقع النزاعات خصوصاً؟ ثم هل يتناسى كتّاب التقرير أن «قائمة العار» نصت منذ إقرارها في سنة 2002 على انتهاكات أخرى بحق الأطفال غير القتل، بينها التشويه الجسدي والاعتداء الجنسي والخطف واستهداف المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية، فهل قوات الدول التي استُبعدت من التقرير منزهة فعلاً عن كل هذه الأفعال المنكرة؟
ولم يكن غريباً أن تستنكر هذا الاستبعاد الفاضح منظمات حقوقية دولية كبرى مثل منظمة «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش»، وهذه الأخيرة ذهبت إلى درجة التصريح بأن الأمين العام «جلب عاراً على الأمم المتحدة بإزالة التحالف الذي تقوده السعودية من قائمة العار، حتى مع استمرار التحالف في قتل وإصابة الأطفال في اليمن».
وليته اقتدى بسلفه، فاعترف أنه في هذا كان مكرهاً لا بطل.