انتهت في إسطنبول أولى جلسات محاكمة 20 من المتهمين بارتكاب جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وسط تأكيدات على ضرورة الكشف عن مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الجريمة عقب إثبات التهم الموجهة لمستشاره سعود القحطاني ومساعده أحمد عسيري، أبرز المتهمين المباشرين في الجريمة التي هزت العالم ومازال يكتنفها الكثير من الغموض، لا سيما فيما يتعلق بمصير الجثمان والمستوى السياسي الأعلى الذي أعطى الأوامر لتنفيذ الجريمة.
وبدأت الجلسة بقراءة لائحة الاتهام المختصرة، واستمرت بالاستماع إلى أقوال المشتكية خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي التي كانت ترافقه إلى القنصلية مسرح الجريمة، وإلى عدد من الشهود، أبرزهم ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي لشؤون الحزب، الذي كان على علاقة شخصية ومقرب من خاشقجي، إلى جانب المقررة الأممية لحالات الإعدام خارج إطار القانون أغنيس كالامارد.
كما أدلى عدد من العاملين الأتراك في القنصلية السعودية في إسطنبول بشهاداتهم خلال الجلسة التي عقدت بشكل مغلق ومنع الصحافيين من حضورها، وبعد أن استمرت لعدة ساعات، أعلن عن تحديد 24 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً لاستئناف المحاكمة في القضية. وخلال المحاكمة، أوكل إلى 16 محامياً من نقابة المحامين في إسطنبول بالدفاع عن المتهمين.
المسؤول الأول عن الاغتيال
من جانبها، قالت المقررة الأممية الخاصة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامارد، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو المسؤول الأول عن اغتيال الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، مشيرة إلى وجود كثير من الأدلة التي لم تكشفها الإدارة الأمريكية عن الجريمة والتي تثبت تورط محمد بن سلمان بها.
واعتبرت كالامارد أنه من المفروض إدانة محمد بن سلمان أيضاً، حيث يعد المتهمان الرئيسيان، وهما العسيري وسعود القحطاني، من أهم مساعدي ولي العهد، وأشادت بالمحاكمة الجارية في تركيا بالقول: «المحاكمة في إسطنبول أكثر عدلاً وشفافية من المحاكمة التي جرت في السعودية».
فيما شدد مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، على أن «العدالة ستطال قتلة خاشقجي عاجلاً أم آجلاً»، معتبراً أن «على من يحمي المتهمين أن يثق بالعدالة في تركيا»، وأضاف أيضاً: «من حقنا محاكمة المتهمين بالجريمة في تركيا ولن نتركهم يفرون بالعقاب على الإطلاق».
وفي إفادته، قدم أقطاي معلومات كان تحدث بها خاشقجي له قبيل مقتله تتعلق بالعداء المباشر والملاحقة التي تعرض لها على يد سعود القحطاني، ومنها طرد ابنه من العمل للضغط عليه، وتهديد أحد أبنائه بضرورة إبلاغ والده بالكتابة ضد النظام السعودي وانتقاده.
أقطاي: من حقنا محاكمة المتهمين في تركيا ولن نتركهم يفرون من العقاب
وطلبت المحكمة من قسم الشرطة الدولية «الإنتربول» في تركيا التواصل مع نظيره السعودي لجلب المتهمين، وأمرت بإبقاء مذكرات الجلب الدولية بحق المتهمين العشرين، والذين أصدرت النيابة العامة التركية سابقاً بحقهم مذكرة بحث حمراء، كما تم إبلاغ الشرطة الدولية (الإنتربول) والسلطات السعودية بطلب تسليمهم إلى تركيا.
وقدم عدد من موظفي القنصلية السعودية من الأتراك إفادتهم خلال الجلسة، أكدوا فيها التسريبات السابقة عن أنه طلب منهم مغادرة المبني وبعضهم طلب منهم عدم العمل في ذلك اليوم.
وجرت المحاكمة بناء على لائحة اتهام مكومة من 117 صفحة كانت النيابة التركية العامة في إسطنبول قد أعدتها بحق المتهمين في الجريمة في 25 مارس/آذار الماضي، وطالبت فيها النيابة بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد بحق المتهمين «أحمد بن محمد العسيري» و«سعود القحطاني»، بتهمة «التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي»، والمؤبد بحق الـ 18 الآخرين بتهمة «القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي»، وأشارت اللائحة إلى أن العسيري والقحطاني خططا لعملية القتل وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وبموجب لائحة الاتهام، فإن العسيري هو المسؤول الأول عن التخطيط للعملية، وأنه هو من أعطى التعليمات للمتهم منصور أبو حسين بتشكيل فريق من أجل التعامل مع خاشقجي في حال رفض الأخير العودة إلى السعودية طوعاً أو قاوم قرار نقله للمملكة، فيما صنف القحطاني على أنه المتهم رقم 2 في القضية باعتبار أنه لعب دوراً محورياً في تهديد خاشقجي سابقاً وتكوين فريق القتل لاحقاً.
واعتبرت لائحة الاتهام منصور أبو حسين المتهم رقم 3 في القضية لدوره الأمني والاستخباراتي المتقدم في الفريق وجرى وصفه مجدداً في لائحة الاتهام بأنه عمل بمكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو أحد المتهمين بالمشاركة في عملية القتل وتقطيع الجثمان وإخفائه بشكل مباشر.
توتر العلاقات التركية السعودية
وتسببت جريمة خاشقجي في توتر العلاقات التركية السعودية، وانهالت انتقادات دولية غير مسبوقة للسعودية، لا سيما ولي العهد محمد بن سلمان، الذي عبرت العديد من الحكومات الغربية إلى جانب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) عن اعتقادها أنه هو من أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.
ومنذ وقوع الجريمة حتى اليوم، كشفت التحقيقات التركية عن كافة التفاصيل المتعلقة بالجريمة من حيث الأوامر والمسؤولون والمنفذون وهوياتهم وطريقة تنفيذ العملية ودخول وخروج البلاد ومحاولات التمويه، وأثبتت ذلك من خلال تسجيلات مصورة، لكن اللغز الأكبر ما زال يتعلق بجثمان خاشقجي الذي لم يعلن حتى الآن عن أي أدلة جنائية تثبت مكانه أو طريقة التخلص منه، على الرغم من الاعتقاد الراسخ بأدلة غير قطعية أنه جرى تقطيع الجثمان في القنصلية ونقله إلى منزل القنصل حيث تم هناك التخلص منه عن طريق فرن كبير يوجد في باحة المنزل بالإضافة إلى استخدام مواد كيميائية قوية محت أي آثار تتعلق بالجثمان. ويُؤمل أن تكشف جلسات المحاكمة تفاصيل جديدة عن مصير الجثمان.
اسماعيل كايا / اسطنبول