من دلالات الخطاب الملكي في البرلمان ..
في خطاب جديد يحمل أكثر من دلالة عاد جلالة الملك محمد السادس ليشدد على أهمية الجانب الاقتصادي، وتفعيل خطة إنقاذه، ورسم خارطة الطريق من أجل امتصاص التداعيات السلبية والخطيرة لوباء كورونا على الاقتصاد الوطني. الخطاب جاء على إيقاع الأولوية للإقلاع الاقتصادي، والاهتمام أكثر بالمجالات الفلاحية والتجارية والصناعية والاستثمارية، كل هذه القرارات تهدف بالأساس “دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة نسيج المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل”.
الملاحظ في الخطاب الملكي أن جلالته انطلق من تشخيص دقيق، خلص فيه إلى التأكيد أمام نواب الأمة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، أن “الأزمة الوبائية الراهنة أبانت عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز”. مشددا جلالته على “أن هذه الأزمة المتواصلة بانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، تستوجب التحلي باليقظة و الالتزام بالحفاظ على صحة المواطنين، بالموازاة مع العمل على تنشيط الاقتصاد والحماية الاجتماعية”.
حسب الخطاب الملكي، فإن ضمان نجاح خطة الإنقاذ، أن “يتم تنزيلها في إطار تعاقد وطني بناء، بين الدولة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، من أجل ضمان شروط نجاحها، انطلاقا من تلازم الحقوق والواجبات”، وهنا ما يحظى بالألولوية، في الفترة الراهنة، هو أن يتسجد التوازن بين رجل السياسة ورجل الدولة، ليتم الارتقاء لمستوى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المغرب، وبذلك نعتقد أن الخطاب الملكي اليوم هو رسالة سياسية لمن يهمهم الأمر حتى يتحملوا مسؤولياتهم كاملة في تنزيل التعليمات الملكية وضمان نجاح خطة الطريق الملكية لإنعاش الاقتصاد ومحاولة دعمه حتى يسترجع عافيته وقوته وصلابته.
وهذا ما سيمكننا من الارتقاء بشكل جماعي لمواجهة التحديات فإما أن ننجح أو لا ننجح .فالوضع الاقتصادي الذي تأثر من كورونا، يتطلب حلولا سريعة وناجعة، وتتسم بالقدرة على إنعاش الحالة الاقتصادية وإخراجها من ركودها، فالخطاب الملكي هو امتداد للخطابات السابقة (خطابي العرش وثورة الملك والشعب)، فقد حمل اجراءات تفصيلية، تمت بناء على تشخيص دقيق، وتقديم حلول عملية تروم الاقلاع والوصول إلى الحكامة الجيدة المطلوبة عادة في تنفيذ السياسات العمومية، والتي شدد الملك محمد السادس، أنها تعاني من نقص في الكفاءات، وهو ما يتطلب إحداث تغييرات عميقة، وعناية كبرى بالاستثمار العمومي، لهذا نرى اليوم أن هناك عودة كبيرة لتأطير الدولة الاقتصادية والاجتماعية.
كان لافتا أن يعلن جلالته عن “إطلاق خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد”، لأنها في اعتقادنا هي الحل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التأثيرات السلبية لكورونا على مجموعة من القطاعات، ومن هنا جاء التأكيد من جلالته على إجراءات عملية تصون خطة إنعاش الاقتصاد، حين شدد على ضرروة احترام مبدأ الحكامة الجيدة وإصلاح مؤسسات القطاع العام، والاعتناء بالكفاءات وإعادة النظر في معايير التعيين في المناصب العليا، من أجل خلق جاذبية للقطاع العمومي.
الخطاب الملكي اليوم، يأتي كما قال جلالته، “في ظروف استثنائية وبصيغة مختلفة، مليئة بالتحديات، ومنها الأزمة الصحية، كما أنها السنة الأخيرة في الولاية التشريعية المليئة بالتحديات، خاصة في ظل آثار الأزمة الصحية، التي يعرفها المغرب والعالم”.
الهام في هذا الخطاب، هو أن خطة إنعاش الاقتصاد ترتكز على إحداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي، وهو الذي أطلق عليه جلالته اسم: “صندوق محمد السادس للاستثمار”. لهذا فإن جلالته يتطلع: ” أن يقوم بدور ريادي، في النهوض بالإستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الانتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص”.
ولقيام هذا الصندوق بمهامه، على الوجه الأمثل، فقد وجه جلالته تعليماته السامية لكي “يتم تخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية”.
كما أمر جلالته، “بأن ترصد له 15 مليار درهم، من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزا للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعما لخطة الإنعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.
و”سيرتكز في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع”. ومن بين هذه المجالات،” إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة”.
وقال جلالته، “نود التأكيد هنا، على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي”.
لهذا فإن الخطاب الملكي حرص على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين، من خلال العناية بشكل كبير بمشروع الرائد للتغطية الاجتماعية.
وفي آخر الخطاب، يشدد جلالته على أن “نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها.
ذلك أن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي يؤكد جلالته، تحتاج إلى “التأسيس لعقد اجتماعي جديد، يقتضي تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية، ومراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية”.
بقلم : عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط ، رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية و رئيس غرفة التجارة المغربية الافريقية البرازيلية بالمغرب