خطاب ملكي يرفع التحدي في وجه الازمة ويدعو لتعبئة وطنية شاملة وعدم الركون لليأس
أعلن الملك محمد السادس عن خطة لإنعاش الاقتصاد المغربي، تأخذ بعين الاعتبار الأزمة الناتجة عن جائحة «كورونا» وأوضح أن الخطة ستتحقق من خلال إحداث صندوق للاستثمار الاقتصادي، أطلق عليه «صندوق محمد السادس للاستثمار» من أجل أن يقوم بدور ريادي في النهوض بالقطاعات الإنتاجية، كما دعا إلى تعميم التغطية الاجتماعية والصحية لفائدة جميع المغاربة.
جاء ذلك خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة في المغرب، حيث ألقى جلالة الملك محمد السادس الخطاب عشية اليوم انطلاقاً من القصر الملكي، وقال إنه يتطلع لأن يقوم «صندوق محمد السادس للاستثمار» بدور ريادي في النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد المغربي، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص.
الشخصية المعنوية
ولتوفير الظروف الملائمة لقيام هذا الصندوق بمهامه، على الوجه الأمثل، فقد وجه العاهل المغربي بأن يتم تخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيئات التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجاً من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية، كما أعلن عن رصد 15 مليار درهم له من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزاً للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعماً لخطة الإنعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ويرتكز الصندوق في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع. ومن بين هذه المجالات، ذكر العاهل المغربي: إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنى التحتية، والفلاحة والسياحة.
وأكد على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي، وقال: «في الظروف الحالية، يتعين دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية. وهو ما سيساهم في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقاً للاستراتيجية الفلاحية الجديدة. وتشكل عملية تعبئة مليون هكتار، من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق، رافعة أساسية ضمن هذه الاستراتيجية. ويقدر حجم الاستثمارات المنتظرة، في إطار هذا المشروع، بما يقارب 38 مليار درهم، على المدى المتوسط. وهو ما سيمكن من خلق قيمة مضافة، لتمثل حوالي نقطتين إضافيتين سنوياً، من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات المقبلة».
ودعا إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لا سيما في المهن والخدمات المرتبطة بالفلاحة.
ومن منطلق الحرص الدائم على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين، دعا العاهل المغربي محمد السادس إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، موضحاً أنه مشروع وطني كبير وغير مسبوق، يرتكز على أربعة مكونات أساسية، أولها يتمثل في تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022 لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج. وثانيها: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة. أما المكون الثالث للمشروع فيتجلى في توسيع الانخراط في نظام التقاعد لحوالي خمسة ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملاً ولا يستفيدون من معاش. في حين ينصب المكون الرابع على تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
ولهذه الغاية، دعا العاهل المغربي إلى التشاور الواسع مع جميع الشركاء، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة لهذا المشروع المجتمعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية.
مبادئ الحكامة الجيدة
وأكد أن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهيناً باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن ثم، يقول محمد السادس، يجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقاً لها. ونظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات، جدد العاهل المغربي دعوته للقيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لهذا القطاع، مؤكداً أنه يتطلع للدور الهام، الذي ستقوم به، في هذا المجال، الوكالة التي ستشرف على مساهمات الدولة، وتتبع أدائها. وأوضح أن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي والتأسيس لعقد اجتماعي جديد يقتضي تغييراً حقيقياً في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية.ودعا الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات المغربية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية.
وختم العاهل المغربي خطابه بالقول: «إن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة تتطلب تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع، لرفع تحدياتها. ونغتنم هذا الموعد الدستوري الهام، لندعو كل المؤسسات والفعاليات الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين. فالمسؤولية مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعياً، لصالح الوطن والمواطنين، أو لا يكون».
صورة أرشيفية