عادل بن حمزة ، كاتب و محلل سياسي
يعيش العالم أزمة غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، على خلفية معركة كسر العظام بين روسيا والغرب في أوكرانيا، وهي أزمة لا تعادلها سوى أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا عام 1962. في قلب هذه الأزمة، هناك الغاز الذي يمثل عنصراً محدداً في مواقف الأطراف، لا سيما في الجبهة الغربية، فأوروبا تعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز الروسي، وبخاصة ألمانيا التي تعتبر محركاً أساسياً للاقتصاد الأوروبي. في هذا السياق، عرف الموقف الألماني بعض التردد في ركوب موجة التصعيد الأميركي – الروسي، وذلك لارتباط ألمانيا الكبير بالغاز الروسي، وبخاصة عبر خط شمال البلطيق “نورد ستريم 2” الذي أوقفت العمل به كجزء من العقوبات على موسكو. التوظيف السياسي للغاز بما يؤثر في أوروبا تحقق مرتين في ظرف أقل من سنة، الأولى كانت من خلال الجزائر حليف موسكو في شمال أفريقيا عندما قرر الرئيس عبد المجيد تبون وقف ضخ الغاز عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب، وذلك كحلقة من حلقات الصراع مع المغرب على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية الذي قررته الجزائر. فقد تم توظيف الغاز كشكل من أشكال العقوبات السياسية، رغم آثاره الاقتصادية في الطرف الأوروبي، وهو ما يجعل الجزائر تظهر كحليف غير موثوق. وشهدت إمدادات الغاز الجزائري الموجه نحو أوروبا تراجعاً من خلال اعتماده فقط على الخط المباشر الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط، والخط الثاني الذي يربط الجزائر بصقلية عبر تونس، وتظهر الأزمة الروسية الأوكرانية حجم التأثير الذي يمثله القرار الجزائري، والذي يجعله عملياً حلقة من حلقات دعم الموقف الروسي الذي يمثل حليفاً تقليدياً للجزائر منذ مرحلة الاتحاد السوفياتي. المواجهة الحالية بين الغرب وروسيا تتخذ طابعاً استراتيجياً، يعتبر تحدياً حقيقياً للنظام الدولي منذ انهيار المنظومة الاشتراكية وسقوط جدار برلين، إذ أن الرئيس الروسي عازم على إعادة وضع قواعد جديدة في العلاقات بين القوى الكبرى، وبخاصة حماية المجال الحيوي لروسيا، فإذا كانت العقيدة الشيوعية توارت إلى الخلف، فإن الاستثمار الكبير الذي قام به بوتين في القومية الروسية، يمثل اليوم العقيدة التي تؤطر نظرة موسكو الى مصالحها الاستراتيجية. وعلى هذا الأساس، فإن أمد الأزمة الحالية سيكون ممتداً في الزمن، يظهر ذلك من خلال الحرب المعلنة على أوكرانيا، لكن مع ذلك فإن احتمال الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة وشاملة يبقى غير وارد، على الأقل وفق المعطيات الحالية وما عكسه اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس، وردود فعل الدول الغربية على تنفيذ بوتين تهديداته. غير أن بديل الحرب الشاملة سيكون بلا شك عبارة عن حزمة عقوبات قاسية وطويلة الأمد على موسكو، قد تضع من بين رهاناتها إسقاط بوتين من الداخل، غير أن العقوبات نفسها ستكون لها ارتدادات عكسية على أوروبا، بخاصة في ما يتعلق بموضوع الطاقة الذي يشكل فيه الغاز عنصراً محورياً، وهو ما يجعل أوروبا في حاجة إلى بديل من الغاز الروسي. تعد الجزائر ثاني مصدّر للغاز إلى أوروبا بعد روسيا، وبغض النظر عن الاعتبارات السياسة التي تجعل الجزائر تدور في الفلك الروسي، وترتهن بحجم التحولات التي تعرفها العلاقات الدولية في ظل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فإن القدرة التصديرية للجزائر تراجعت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة. موضوع إغلاق أنبوب الغاز المغرب العربي – أوروبا، له في الواقع، بحسب ما كشفه خبراء في مجال الطاقة، جوانب اقتصادية داخلية تخص ارتفاع الطلب الداخلي في الجزائر على الغاز، إذ تستهلك السوق الداخلية أزيد من 52 في المئة من الإنتاج، يضاف إلى ذلك ضعف القدرة الإنتاجية لحقول الغاز نتيجة ضعف الاستثمار في الصيانة وتجديد المعدات، كحصيلة طبيعية لحالة الفساد الممتد الذي تعرفه شركة “سوناطراك” المملوكة للدولة، والتي طالما تم التعامل معها كصندوق أسود. زيادة على ذلك، تشير تقديرات الخبراء الى أن أهم حقول الغاز في حاسي بيضة ستنفد احتياطاتها بحلول عام 2030. معنى ذلك أن الرهان الأوروبي على الغاز الجزائري ليس له بعد استراتيجي، وهنا يبرز البديل الذي يمثله مشروع خط الغاز المغربي النيجيري الذي يعبر غرب أفريقيا بتكلفة تقدر بنحو 50 مليار دولار، والذي من أهدافه تموين الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي، ويعتبر في أحد أبعاده منافساً للغاز الروسي، كما أنه يعزز استقلالية أوروبا الطاقية عن موسكو، فهل تسرّع الحرب الروسية على أوكرانيا هذا المشروع الاستراتيجي العملاق؟