سألني أحد المتابعين :
” أخي أسمع منك ومن الكثيرين ، بمن فيهم بعض الجزائريين ، كلاما مفاده ، أن الرئيس الجزائري مجيدو ما هو إلا مجرد واجهة ، وأن الرئيس الفعلي الذي يحكم الجزائر هو السعيد شنقريحة، أليس في هذا الحكم شيء من المبالغة؟ ، وما دمتم تعدون السعيد شنقريحة الرجل القوي بالجزائر ، الذي بيده العقد والحل ، ويريد أن يبقى مسيطرا على حكم البلاد، ورقاب العباد مدى الحياة ، فما الذي يمنعه من أن يفعل ذلك بصفة رسمية ، وأن ينزع عنه البزة العسكرية، ويتقدم لإنتخابات ينظمها ولو بصورة شكلية، يضمن فيها الفوز برئاسة الجزائر، ويصبح رئيسا شرعيا ، ويضع حدا لكلام منتقديه ، ولنا عبرة في السيسي بمصر ، الذي كان وزيرا للدفاع، وقائدا عسكريا ، تم أصبح رئيسا لمصر ، ألا يمكن ان تكون هناك مبالغة في اتهام تبون بأنه مجرد دمية و رئيس صوري ؟ وأن يكون الرجل يقوم فعلا بمهامه الدستورية ويمارس اختصاصاته دون تدخل من أحد كما هو حال باقي الرؤساء ؟ “
جوابي للسائل :
” عزيزي القاريء، يقول مثل فرنسي: ( لا يجب أن نقارن ما لا يقارن ” . وأنت عندما أردت المقارنة بين نظامين يتشابهان فقط في كونهما عسكريين ، دون أن تأخذ بعين الإعتبار اختلافاتهما من حيث النوعية، والموضوعية، والكفاءة ، والتكوين ، وأشياء أخرى، فأنت بذلك تكون مخطئا ..
إن قدوم السيسي من الجيش، وتخليه عن البزة العسكرية، ليتم انتخابه رئيسا فعليا بمصر، أمر صحيح ،
لكن الجيش الذي أتى منه السيسي ليس هو جيش شنقريحة، لأنه جيش مصر منظم،و موحد، قاداته مثقفون، وخريجي كليات حربية عريقة ، تسلقوا المناصب والرتب بمجهوداتهم ، وكفائتهم وعطائهم على الأرض، وحدهم اجتهادهم وانضباطهم، و خبراتهم هي من تحدد ترقيتهم، تربوا على الطاعة والإنضباط لأوامر القائد الأعلى في الرتبة، حتى وإن إختلفوا معه في الرأي ، أوسمتهم وشهاداتهم كرتبهم لم تنزل عليهم من السماء، ولكنها مستحقة .
لكن الجيش الجزائري ليس موحدا، ويشتغل بنظام الزمر ، والجماعات، واختلاف الولاءات ، كل قائد له أتباعه الذي يعتبرهم ،خدامه وجواسيسه، والذين يراقبون لفائدته، ويحصون على أفراد الجيش من فرق أخرى أنفاسهم، يبلغونه كل كبيرة وصغيرة من تصرفات هؤلاء ، القائد بالجيش الجزائري يوزع المسؤوليات على أصدقائه بحسب القرب ، والقرابة ، والعلاقات، والمجاملات،معياره الحاسم في ذلك هو مدى ولائهم له، والذي يجب أن يكون أكثر من ولائهم للدولة ، والدليل على ذلك أنه بمجرد ما يموت قائد جيش في الجزائر ، ويخلفه قائد جديد، تبدأ تصفية زمرته، وتشتعل نار الإعتقلات والمحاكمات، والإغتيلات ، ونسمع عن هروب جنيرلات وضباط ،وعائلاتهم إلى خارج البلاد ، و يطلبون اللجوء والحماية، لينعموا بثرواتهم التي نهبوها ، وراكموها بالبنوك الأجنبية أيام سلطتهم وعزهم .
وهذا تماما ،ما نشاهده بين زمر حيوانات إفريقيا المفترسة، في قنوات الناشيونال جيوغرافي!!!، الجيش الجزائري إرث لقادة هرمين ، لا يتقاعدون إلا بوفاتهم، ممن ورثوا الجيش من أسلافهم الذين تركتهم فرنسا في المناصب ، بعدما كانوا مجرد ضباط صف لديها من أدنى الرتب العسكرية ، لكن قاموا بترقية أنفسهم عسكريا، وأصبحوا جنيرالات ،ولم يرتقوا بأنفسهم فكريا و ثقافيا، وعلميا ، وظلوا كبارا في كل شيء ، كبارا في الرتب العسكرية ، كبارا في الجهل والأمية ، كبارا في السن، يتحكمون في باقي الضباط الشباب الجزائريين ، خريجي الكليات الذين هم أكفأ منهم ثقافة وعلما وعطاء ، ولكن العجزة لا يثقون فيهم ، ويغلقون أمامهم أبواب المجد ، و تولي مناصب المسؤولية، التي يفضلون فيها تعيين من هم أقل منهم في المستوى، أو من هم على شاكلتهم في قلة الكفاءة ، وشنقريحة نفسه عندما أصبح الرجل القوي بالجيش، ترك تبون الذي عينه القايد صالح رئيسا لخمسة أسباب :
* أولا: لأن تبون عديم الكفاءة، وكلنا شاهدنا سلال وهو يوبخه على اليوتيوب ويخبره أنه محبط من عدم كفاءته ، ويطلب منه أن يتعلم ويرتقي بنفسه، والشريط لازال موجودا على اليوتيوب لمن يرغب في مشاهدته ….
* تانيا : لأن تبون لديه ملفات متعفنة، إن فتحت في أية لحظة ستدخله رفقة إبنه لسجن الحراش ولن يغادره، إلا بمغادرته للحياة .
* ثالثا : لأن تبون مكروه ، وشعبيته عند الشعب الجزائري تميل إلى الصفر ، ولن يكون له يوما طموح أكبر لمحاولة التخلص من شنقريحة، والتفرد بالسلطة المطلقة .
* رابعا : لأن تبون هو من يتحمل كل الإخفاقات والأزمات التي تصيب الجزائر، بسياسة شنقريحة الخفية وفي حالة ما إذا ثار الشعب عليه يوما ، فإن شنقريحة سينزع تبون ، ليهدأ غليان الشعب ، وينظم انتخابات رئاسية يأتي فيها برئيس كلينيكس آخر jetable , ليستعمله في قضاء مآربه، ويغيره متى غضب الشعب منه هو الآخر .
* خامسا : لأن شنقريحة إن غادر الجيش فعليا، لتولي مهام رئيس مدني كالسيسي، فإنه يعلم أن من سيتولى قيادة الجيش سينقلب عليه لا محالة ، وسيأتي برئيس صوري مدني ليحكم به الجزائر ، فعنصر الثقة لا وجود له بين أفراد الجيش الجزائري ، وقائد الجيش إن ترك الجيش ترك معه الحكم .
لهذا فالشعب الجزائري سيظل يرى الإخفاقات كما تعود على ذلك منذ استقلاله ، وسيضل يطرح نفس السؤال : لماذا يظل حاله دائما على ماهو عليه من سيء إلى أسوء رغم تغيير الرؤساء ؟ ولن يكتشف أن عسكر بلاده يعملون ليل نهار على أتظل حليمة( الجزائر ) دائما على حالتها القديمة “.