عز الدين السريفي / رئيس التحرير
أوراق دبلوماسية خاسرة جديدة يشهرها النظام الجزائري مع أنها لا تزيده الا عزلة في محيطه الإقليمي و تعكس قولا و فعلا درجة التخبط و الارتباك التي أضحت تسم المزاج المتقلب و العنيد لقصر المرادية في تدبير علاقاته الجوارية.
بعد أن فشل نظام الجنرالات في ابتزاز دول و حكومات بسلاح الغاز و النفط في مقابل تحديد بوصلة مواقفها السيادية من ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية وفق الأجندة الجزائرية المتصلبة، عاد نفس النظام الى لغة التهديد و العجرفة، التي لا تزيد الجارة الشرقية الا عزلة و تطرفا في الموازين و المعادلات الجيوسياسية الإقليمية.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون و بمنطق استعلائي مغرق في النرجسية حشر أنفه قبل أيام بطريقة فجة و بئيسة في الشأن الداخلي الاسباني ووصف السبت الماضي في تصريح صحفي موقف إسبانيا الأخير تجاه قضيّة الصحراء بأنه «غير مقبول أخلاقيًا وتاريخيًا».
حكومة مدريد التي لم تستسغ بعد دواعي و مبررات اسراع الجزائر قبل ستة أسابيع الى استدعاء سفيرها بإسبانيا لمجرد أن الأخيرة عبرت عن موقف سيادي يتعلق بنظرتها كدولة الى النزاع المفتعل حول الصحراء , تفاعلت بعنف و صرامة مع التدخل السافر للرئاسة الجزائرية في الشأن الداخلي لإسبانيا حيث علق وزير خارجيتها خوسيه مانويل ألباريس على هجوم الرئيس تبون بالتأكيد على أن موقف اسبانيا الأخير من ملف الصحراء سيادي و يندرج في إطار القانون الدولي، مشددا على أنه لا يريد «تأجيج خلافات عقيمة مع الجزائر و ما يهمه من الخرجة الإعلامية للرئيس تبون هو التزامه بضمان تزويد إسبانيا بالغاز الطبيعي احتراما للتعاقدات الموقعة بين حكومتي البلدين.
ردة فعل وزير الخارجية الاسباني التي تعكس مستوى تذمر مدريد من المحاولات المتكررة للنظام الجزائري للي ذراع اسبانيا في ملف الصحراء , تكشف أيضا حرص الخارجية الاسبانية على تبني مسافة معقولة بين مصالحها الاستراتيجية و محاولات النظام الجزائري اقحامها في مطبات سياسية و دبلوماسية متجاوزة و لا ترقى الى مستوى اعتبارات و شروط الشرعية الدولية التي يتستر قصر المرادية وراء شعارات مزيفة و كاذبة و مصطنعة ترتبط بسياقات تاريخية تم تلفيقها بإرادة جزائرية محضة لخداع و تمويه المنتظم الدولي
و يعتبر قرار الجزائر بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع اسبانيا، إستمرارا لمسلسل العزلة الذي يصر عسكر الجزائر جر بلاده إليه، في محاولة منهم إفتعال أزمات خارجية لتصدير مشاكلهم الداخلية، التي تكاد تفجر الدولة في وجه « الكابرانات »، و كانت الجزائر قد أعلنت الإغلاق الفوري لمجالها الجوي، في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وتلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي، وذلك بعد أقل من شهر على إعلانها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، في تصعيد خطير أعقب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
دول الجوار الجزائري هي الأخرى لم تسلم من السياسات العدائية لعسكر المرادية، و التي باتت مكشوفة إذ أن النظام الجزائري، لم يعد يجد حرجا في التدخل بوجه مكشوف في الشؤون الداخلية للدول المغاربية، فقبل أيام قليلة أثار تصريح لتبون من قلب روما، موجة استياء عارمة داخل تونس، بعد محاولته تدويل الشأن الداخلي لتونس و جرها إلى الفوضى.
ليبيا هي الأخرى، لم تسلم من المحاولات الجزائرية المتكررة، لوقف مسار الديمقراطية التي تناضل مكونات الدولة للوصول إليها، عبر إقامة انتخابات نزيهة تساعد على لم الشمل الليبي، و لم ينس الليبيون يوم هدد تبون بالتدخل العسكري، في طرابلس دعما للمرتزقة الموالين لتركيا.
و في نفس السياق، شهدت العلاقات الجزائرية المصرية هي الأخرى تصعيدا كبيرا، بعد محاولة الجزائر الركوب على ملف سد النهضة، من خلال إعلان وزير البيئة و الماء الجزائري، دعم مشروع السد الإيثيوبي لابتزاز القاهرة وثنيها عن دعم مغربية الصحراء.
دول الجوار الأخرى مثل مالي و موريتانيا، لا تزال تعاني من تبعات ماكينة صناعة الإرهاب في الجزائر، التي حولت منطقة الساحل إلى مرتع خصب للجماعات الإرهابية، و وكر لقطاع الطرق و مافيات الإتجار بالبشر وتهريب المخدرات، الأمر الذي يزعزع استقرار هذه الدول.
و كانت الصين، قد أعلنت قبل أيام عن انسحابها من مشروع غار الجبيلات، الذي أرادت الجزائر توظيفه لإغرائها، في محاولة لدق الأسافين بين بيكين وبين الرباط، هذه الأخيرة التي تعتبر مناجم غار الجبيلات مؤطرة بإتفاقيات مغربية جزائرية، يريد حكام المرادية التملص منها وسلب الحقوق القانونية للمغرب.
روسيا بدورها، وجهت صفعة مدوية للجزائر، بعد سحب سفير موسكو من العاصمة الجزائرية، عقب تصريحاته التي مست بالوحدة الترابية للمملكة، الأمر الذي اعتبره مراقبون دوليون دعما روسيا مهما للموقف المغربي، على حساب الجزائر التي أصبحت حليفا يثقل أعباء الروس، و يقحمهم في نزاع هي اليوم في غنى عنه.
فرنسا هي الأخرى، وضعت الجزائر في حجمها الحقيقي ككيان أنشأه الجيش الفرنسي، و ذلك بعد تصريحات سابقة للرئيس ماكرون، قال من خلالها إنه لم تكن هنالك أمة إسمها الجزائر، و أن هذه الأخيرة لا تمتلك مقومات الأمة، بل إنها تقتات من ريع الذاكرة من خلال تضخيم أرقام ضحايا الاحتلال الفرنسي للجزائر.
فهل تتفضل الدولة الجزائرية لتلقين عالم اليوم أصول اللياقة و التعامل الدبلوماسي بعد كل ما سجلته فقط في الأشهر الأخيرة من مواقف هلامية و تصريحات متناقضة و مناورات جهنمية و تدخل سافر في سيادة و اعتبار دول و حكومات متعددة ؟ أم أن قصر المرادية و بفعل الحرج و التخبط و الورطة التي يعيشها يوميا يحضر لمفاجئات و ردات فعل انتحارية جديدة لا يهتم لتداعياتها الإقليمية و عواقبها التي تفاقم وضع العزلة و التقوقع على الذات الذي يستلذ نظام الجنرالات البقاء داخل جدرانه الى ما لا نهاية ؟؟؟