جسر بريس في حوار مع السيدة: أميمة خليل الفن متخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة حول الأسباب الرئيسية في ما تشهده بلادنا من تغيرات مناخية
عرفت مناطق كل من العرائش، تطوان، شفشاون، تاونات ، تازة، وزان والمضيف الفنيدق وتارودانت حرائق عديدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقد ساهمت وعورة التضاريس ورياح الشرقي في اتساع رقعتها فحصدت النيران أزيد من 5000 هكتار من النسيج الغابوي.
ورغم الظرف الاستتنائي الذي يعيشه المغرب من جفاف وشح مياه فقد تمكنت عناصر من المياه والغابات و الوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات المحلية والإنعاش الوطني ومتطوعين من ابناء المناطق من السيطرة على الحرائق.
اذ تعتبر اكبر موجة حرائق في تاريخ المملكة، حيث ثم الاستعانة بطائرة “كانادير” تابعة للوكالة الوطنية للمياه والغابات من أجل رصد وتتبع بؤر الحرائق وبكثير من التوجس تبقى فرق التدخل متأهبة لتفادي اندلاع بؤر نارية جديدة.
وفي فهم اوضح وأعمق لهذه التغيرات تجيبنا السيدة أميمة خليل الفن، المتخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة على بعض التساؤلات.
سؤال : الجفاف والحرائق في سنة واحدة هل هو تهديد بيئي حقيقي للمغرب؟
جواب: قبل الحديث عن مشكل الجفاف أو مشكل الحرائق يجب الحديث عن الطابع المناخي للمغرب، فموقعه الجغرافي جعل مناخه ذو طابع استثنائي ومتنوع بين الجاف، وشبه جاف والرطب شمالا وبحكم هذه المناخات المتنوعة اذا رجعنا للسيناريوهات في ١٠٠ سنة فارطة نلاحظ تعاقب سنوات الجفاف وهذا أمر طبيعي بمعنى أن المغرب يشهد ٥ سنوات جيد ممطرة و٥ سنوات جافة وهكذا دوالي، لكن هذه السنة تختلف ، فلها طابع الاستثناء بسبب الحرائق التي ارتفعت بشكل ملحوظ ويرجع ذلك إلى ماهو طبيعي وماهو بشري.
فطابع التغيير المناخي ازدادت حدته بسبب تزايد نسبة الغازات الدافئة مشكلة كثافة كبيرة في الغلاف الجوي ما يزيد من سمكه و يسمح للأشعة الفوق بنفسجية أن تبقى حبيسة الغلاف، وهذا مايزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وعندما ترتفع درجة حرارة هذه الأخير فطبيعيا الدول التي لديها مناخ جاف تزداد جفافا بتزايد الحرارة اذ نلاحظ أن سنة ٢٠١٦ كانت سنة جد حارة ونعيش اليوم ٢٠٢٢ أيضا سنة حارة، يعني فقط الحدة المتزايدة بنسبة تظهر لنا كثيرة بحكم أن طابع الموضوع اليوم هو موضوع عالمي الكل يتكلم عن التغير المناخي لكن أنا هنا أتكلم عن التدخل البشري الذي يتدخل ويؤزم و يفاقم الموضوع أما بالنسبة للحرائق يمكن أن تندلع بشكل طبيعي لأن هناك غازات التي تكون بخار الماء الذي اذا تزايدت نسبته في الهواء يمتص الرطوبة من الأرض ومن النباتات اذ تكون نسبة الرطوبة في الأرض جد ضعيفة ما يعني أن أبسط تدخل بشري ولو كان بسيط و غير مقصود قد يسبب كارثة ما يجعل اندلاع الحرائق تكون بسرعة وعلى مساحات واسعة وهذا ماحدث هذه السنة، ولأن التساقطات لم تكن بنسبة كبيرة ودرجة الحرارة في تزايد ما يجعل رطوبة الأرض والنباتات منخفضة هذا ما سبب في اندلاع الحرائق بوثيرة كبيرة بمعنى أصح وأوضح فإن التدخل البشري هو الذي يفاقم الأمور.
سؤال: بسبب هذا التغيير المناخي هل المغرب سيشهد ارتفاع حرارة مهول في السنوات المقبلة وهل ستكون أسوء مما هي عليه اليوم ؟
جواب: بالنسبة للمغرب لا يمكن التكهن أو الحكم على السنوات المقبلة فكما قلت سابقا عندما نعود إلى سيناريوهات ٥٠ أو ١٠٠ سنة قبل، فإن هذا الإرتفاع و الإنخفاض في درجة الحرارة والسنوات الممطرة وسنوات الجفاف هي حاضرة. ليس المغرب من البلدان التي كانت سنواتها ممطرة دائما و اليوم فقط يعرف الجفاف، لكن سنوات الجفاف كانت متعاقبة بحكم الموقع الجغرافي والطابع المناخي للمغرب، مستقبلا لا يمكن التكهن، فقد تكون سنوات ممطرة كما حدث سنة ٢٠١٢ بهطول أمطار كثيفة أدت إلى غرق بعض المدن.
يعني مستقبلا ستكون هناك سنوات جفاف وسنوات ممطرة وسنوات عادية فهي سيناريوهات معتادة في المناخ المغربي. لكن ماهو الجديد، الجديد هو التغيير على المستوى العالمي فحدة التغيير في تزايد ليس فقط في المغرب بل العالم كله والقارة الأفريقية هي الأكثر مساسا من هذه الحدة
كما نعلم فدرجة حرارة الأرض في إرتفاع، وعندما نقول في إرتفاع فإن البلدان التي في الأصل تعيش هشاشة مناخية سوف تزداد تلك الهشاشة، فإن ظل العالم يشهد تغيرات مناخية بهذه الوتيرة؛ طبعا المغرب سوف يشهد سيناريوهات أكثر من هذه السنة والمنظمات العالمية حذرت أنه في حلول عام ٢٠٥٠ درجة حرارة الارض سترتفع بدرجتين سيليسيوس. واذا بقينا في هذا المنحى بالإرتفاع بسبب الانبعاثات الغازية والتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية بهذه الحدة، فبطبيعة الحال سواء في المغرب أو أي بلد آخر سوف نشهد كوابيس وكوارث مناخية.
سؤال: تضرر الغطاء النباتي بفعل الحرائق يحصد آلاف الهكتارات من النسيج الغابوي، كيف يتم التعامل مع هكذا ضرر بيئي؟
جواب: بالنسبة لحرائق الغابات التي وقعت الآن أو التي وقعت في السنوات الفارطة والتي تحصد مئات الهكتارات فبطبيعة الحال فإن المندوبية السامية للمياه و الغابات تضع مخطط لإعادة غرس الأراضي الغابوية التي حُرقت، لكننا نعرف أن الأشجار تحتاج سنوات لإحياء الغطاء الغابوي، اذا هناك مخططات استراتيجية وطنية لإعادة وحماية الغطاء الغابوي بما أنه ملك مشترك ولأنه رئة الأرض فكما هو متعارف عليه فإن الغابات هي رئة الأرض، لذلك وضعت مخططات من أجل إعادة غرس هذه الأراضي وتجنيبها الحرائق مستقبلا.
سؤال: الكل يعلم أن المغرب مهدد كغيره من بلدان العالم بندرة المياه والحرائق تزيد من استنزافه، هل هناك استراتيجية واضحة من أجل الحفاظ على المياه والغابات ببلادنا؟
جواب: بالنسبة لإشكالية الماء بالمغرب فهي إشكالية متشعبة لأن فيها مشاكل على أبعاد متعددة. كما قلنا المغرب ليس لديه تساقطات موسمية دائمة وكثيرة ليكون عندنا حقينة السدود مرتفعة وممتلئة دائما، وانخفاض نسبة الفرشة المائية والحرارة المرتفعة التي تؤدي الى تبخر المياه السطحية تزداد كل صيف….اذا هناك عدة مشاكل.
لكن في الآونة الاخيرة تفاقم المشكل لعدة أسباب:
•الأول: في عشر سنوات الأخيرة تعاقبت سنوات الجفاف التي أفرغت حقينة السدود وحتى الفرش المائية لم تتغدى بمياه الأمطار لقلتها
•الثاني: أن المغرب يتوفر تقريبا على ١٤٥ سد، لكن هذه السدود يفوق عمرها ٢٥ سنة، هنا نتكلم عن مشكل توحل الأتربة المتراكمة حتى عند امتلائها فإن ٦٠٪ من حقينة السدود تكون من الصلب والأتربة.
•الثالث: التلوث، نعلم أن نسبة كبيرة من الفرش المائية بالمغرب تعاني من التلوث بفعل تدفق المياه العادمة ومياه المصانع وغيرها. وكذلك هناك استنزاف كبير للموارد المائية عن طريق الفلاحة و الصناعة، فالقطاعين يشتنزفون المياه بالمغرب، فنسبة ٨٠٪ تقريبا تذهب إلى الفلاحة إذ أنها تعتمد على نظام الري التقليدي الذي هو البئر و المضخات، بالإضافة إلى الزراعات التي تستنزف المياه لأنها لا تلائم النظام المناخي والنظام المائي للمغرب (كزراعة الفواكه الحمراء زراعة الموز والافوكا وغيرها من الزراعات….).بالنسبة لمشكل الصناعات هناك صناعات تستلزم نسبة كبيرة من المياة لكن للأسف تستعمل المياه الصالحة للشرب أي مياه السدود والفرشة المائية وأيضا هناك مشكل الخواص فالمواطنين الذين لديهم آبار في منازلهم يستعملونها بطريقة غير معقلنة مما أدى إلى استنزاف المياه الباطنية. وهذا ما وصلنا إليه ونعيشه حاليا. لا ننسى أن هناك أيضا أنهار لم تعد تصل إلى مصبها كنهر ملوية الذي لم يصل مصبه أكثر من خمسة أعوام، كما نشهد إرتفاع نسبة مياه البحر التي تدخل في مجرى الأنهار وتزيد من ملوحة المياه فتصبح غير صالحة للاستعمال اليومي.
كل هذه المشاكل يعاني منها قطاع الماء في المغرب وطبعا هناك استراتيجية للحفاظ عليه، مخططات وبرنامج وطني هدفه تزويد ٩٨٪ من ساكنة القرى بالماء الصالح للشرب وأيضا إعادة تدوير المياه العادمة و استعمالها في سقي المساحات الخضراء بالمدن … هناك استراتيجيات ورؤى واضحة لكن الإشكال هو في تنزيل وتفعيل هذه الاستراتيجيات وأيضا الزجر عل المخالفين في هذا الباب، فاليوم نعيش تحد مائي كبير يلزمنا أن نكون آنيّين في التفعيل. كذلك تقنين استعمال الماء في الميدان الفلاحي وإلزام جميع الفلاحين باستعمال تقنية التقطير رغم أن هذا النظام تبنته المملكة منذ سنوات وتمت الإستفاذة منه من طرف عديد من الفلاحين والذي جنبنا ضياع أكثر من ١.٦ مليار متر مكعب سنويا اذ يعتبر هذا غير كاف، رغم أننا سنلجأ إلى تحلية مياه البحر لكن سنظل في حاجة إلى المياه العذبة ، مياه السدود والأنهار والمغرب ماضٍ في استراتيجية بناء السدود مغرب اليوم يشتغل على بناء عدة سدود وكذلك برنامج إنشاء محطات تحلية مياه البحر فالإشكالية المطروحة دائما هي التسريع من وتيرة تنزيل هذه الإستراتيجيات على أرض الواقع.
سؤال: كيف للتنمية المستدامة الحفاظ على البيئة في المغرب؟
جواب: أولا يجب أن نفهم ما هي التنمية المستدامة؟…. هي تلبية حاجيات الأجيال الحاضرة دون المساس بحاجيات الأجيال المستقبلية وهي بين المجال الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، اذ يلزمنا اقتصاد يلبي حاجيات الساكنة بدون المساس بالموارد الطبيعية والبشرية.
اذا لم نحافظ على البيئة لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة، اذ لم يكن لدينا اكتفاء ذاتي من التغذية والصحة والسكن اللائق وغيرها لا يمكننا الحديث عن التنمية المستدامة واذا لم يكن لدينا اقتصاد يلبي الاحتياجات الداخلية للمواطنين لا يمكننا الحديث عن التنمية المستدامة فهي التقائية بين الثلاث مجالات وبدون الحفاظ على البيئة لا يمكن الحديث عن أي تنمية مستدامة
أهداف التنمية المستدامة ثم تحديدها بعد مؤتمر ليو زائد ٢٠ هي ١٧ هدف ضمنها الحفاظ على الموارد الطبيعية سواء في المجال المائي او الغابات (جميع موارد الطبيعية بجميع أنواعها) وأيضا توفير الغذاء، الصحة، الماء الصالح للشرب، السكن اللائق وتوفير طاقة نظيفة…. يتضح من خلال ذلك أن محور الأهداف هو الإنسان بمعنى أن الإنسان لا يمكن تواجده بدون مجال لائق للعيش في بيئة نظيفة، سكن لائق تعليم جيد، صحة جيدة والحصول على موارد طبيعية نظيفة لتكون استمرارية لهذا العنصر الذي هو محور كل شي وجب الحفاظ على استمرارية هذه الموارد فاليوم لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة بدون بيئة، فهذه حتمية وصلنا لها اليوم وعندما نقول البيئة ففيها عدة مكونات والإنسان أيضا مكون من مكونات البيئة …..فإذا كان الإنسان واعي يعرف ما له وما عليه يمكن أن يحافظ على تلك الموارد الأخرى التي هي ضمن المنظومة البيئية.
سؤال: مدام الإنسان ضمن البيئة وهو محور التنمية المستدامة، هل هناك وعي جماعي للمغاربة بالخطر الذي يهدد بلادهم بسبب الاستنزاف الغير معقلن للمياه والتسبب في الحرائق؟ أم أن هناك غياب تام لهذا الوعي ما يجعل البيئة مهددة بسلوكيات اللامبالاة للمواطنين؟ وهل هناك حملات توعوية وعقوبات زجرية غي هذا الباب؟
جواب: بالنسبة للجانب التوعوي للأسف مازال ينقصنا الكثير سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي… مازال هناك جهل بأهمية المنظومة البيئية وبأهمية الموارد الطبيعية في حياتنا اليومية والدليل هو التصرفات التي نراها يوميا في الشارع ربما هي تصرفات بسيطة ومعتادة لكن اثرها كبير …..(رمي الأزبال، تلويث، عدم احترام المنظومات الإحيائية مثل الغابات والبحر…) تصرفات عادية لكن في الأساس هي غير عادية، فأثرها كبير وخطير سواء علينا أو على المنظومة البيئية.
هناك عقوبات هناك قوانين تنظم هذه الأمور لكن للأسف أعود وأكرر وأقول أن هناك مشكل في التنزيل والتفعيل (عندنا شرطة البيئة هناك شرطة الماء) لكن من الصعب أن نطبق القوانين في غياب وعي….. لذلك اقول للأسف هناك غياب تام للوعي لأن المجتمع المدني لا يقوم بالرسالة التي يحملها فدوره هو التوعية وتنوير المواطنين لهذه المواضيع سواء جمعيات التي تشتغل في مجال البيئة أو الجمعيات التي تشتغل بصفة عامة، يجب ومن الضرورة تكثيف حملات التوعية ليس فقط عند ظهور مشكل أو احتفال بيوم عالمي ما…. عندها نتذكر أنه يلزمنا أن نقوم بالتوعية في هذا المجال بل يجب أن يكون بشكل دوري ومستمر،كذلك وجب تعزيزها في البرامج الدراسية لنربي ناشئة وجيل متصالح مع الطبيعة ومع محيط عيشه ليحافظ عليه ويعرف مدى أهميته فإذ لم يحافظ عليه اليوم فهو غذا لن يلقاه…… فيجب التكثير من حملات التوعية وهذا ليس دور الحكومة أو الدولة فقط لكن هو دور المجتمع المدني الذي يجب عليه مواكبة المسيرة بأن يقوم بحملات دورية وحملات تكوين في المجال و يقوم بحملات تنظيف وتعريف الناس على محيطهم من أجل أولا أن نبني قاعدة نستطيع أن ننزل فيها القوانين، إذا أردنا تفعيل منطق كل ملوث مؤذي… يجب على رأس كل مواطن شرطي يراقبه وهذا مستحيل اليوم… لذلك وجب أولا توعية الناس على أهمية البيئة والحفاظ عليها من خلال تصرفات بسيطة وللأسف هناك آباء يتصرفون أمام أبنائهم برمي الأزبال في الشارع دون معرفة أثر وخطر ذلك التصرف سواء على الجانب النفسي والبيئي وعلى الجانب الإجتماعي فهو يجهل تبيعات ذلك التصرف.
لذلك وجب بناء أولا أساس توعوي ووجب على الناس أن تكون واعية بأهمية النظافة والمحافظة على البيئة بعدها يمكن تفعيل زخم القوانين المتواجدة، فالترسانة القانونية غنية لكن تفعيلها يصعب في بعض الأحيان سواء في حق المواطنين أو المؤسسات الصناعية أو المؤسسات التي تضر بالجانب البيئي.
حاورتها : الفهرية لمزوري