ما بين المغرب وبريطانيا مسافة تزيد عن ثلاثة آلاف ونصف الكيلومترات، تبدو بعيدة نسبيا، لكنها قريبة اقتصاديا وسياسيا، على الأقل هذا ما يتكشف من ظاهر علاقات الرباط ولندن، الآخذة في نسقها التوافقي في ملفات كثيرة، خاصة بعد خروج بريطانيا من تكتل دول الإتحاد الأوروبي ورغبتها في اللحاق بأسواق وحلفاء جدد، قبل أن تجد ظالتها في المغرب الذي رفع منسوب علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستويات عالية توجت بإعتراف وصف بالتاريخي للإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب، بمغربية الصحراء.
لا تخفي بريطانيا انجذابها الاقتصادي والسياسي للمغرب، فالرباط بوابة إفريقيا وأقرب البلدان المتوسطية إلى أوروبا، هي نظرة استراتيجية إذن، يبحث من خلالها مسؤولو المملكة المتحدة، الدفع القوي للعلاقات الثنائية إلى مستويات أكثر تقدما، وهو ما أكده وزير الدولة البريطاني لجنوب ووسط آسيا وشمال إفريقيا والأمم المتحدة والكومنولث، اللورد أحمد طارق، أنه آن الأوان للدفع بالعلاقات “المميزة” بين المغرب والمملكة المتحدة إلى مستويات أكثر تقدما.
قبل أن يضيف في أعقاب لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن “الاحتفاء بمرور 300 سنة على أول اتفاق تجاري بين البلدين يشكل فرصة مواتية لتعزيز الطموح والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى”.
رغبة بريطانية في المضي قدما بمنحى العلاقات، لاسيما في شقها الاقتصادي يصطدم بموقف المغرب الرافض للدخول في علاقات اقتصادية مع أي دولة ما لم “تخرج من منطقتها الرمادية والغامضة بخصوص ملف الصحراء المغربية”، ذلك ما أكده أيضا أعلى سلطة في البلاد الملك محمد السادس، حينما وجه سابقا خطابا مباشرا، يهم الجوانب المرتبطة بملف الصحراء المغربية، وعلى رأسها عدم التفاوض على مغربيتها بل مناقشة مقترح الحكم الذاتي، ولكن الجديد في الخطاب كان هو الجملة التالية حرفيا “كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”.
ومعروف أن بريطانيا حليفة وأقرب المقربين إلى واشنطن، وهذه الأخيرة أعلنت سلفا أنها مع المقترح المغربي للحكم الذاتي، ما يعزز اقتناع صنّاع القرار في لندن أن خيار الدفع بالعجلة الاقتصادية بين بلادهم والمغرب، يتوقف أساسا على مدى احترام لندن لموقف الرباط “غير القابل للنقاش أو التفاوض”، وهو ما تنازعه المغرب مع دول أوروبية أخرى على غرار ألمانيا وإسبانيا، قبل أن يكسب الرهان السياسي في الملف.
وشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لخلق شراكات اقتصادية بين بعض دول الجنوب وبريطانيا، وفي هذا الإطار استفاد المغرب من بريكست عبر تدعيم الشراكة الاقتصادية، وتربط بين البلدين اتفاقيات اقتصادية على غرار مشروع الربط الكهربائي الذي يعزز من مدى التقارب بين البلدين من خلال اتفاق بشأن إنشاء أضخم مشروع للتزود بالطاقة الكهربائية، الذي يربط جبل طارق بمدينة طنجة وتبلغ قيمته ما يقارب 21 مليار دولار.
يهدف المشروع إلى تزويد ملايين البريطانيين بطاقة “صديقة للبيئة” باعتبار أن التيار الكهربائي المتوقع نقله للمملكة المتحدة سيكون مصدره مولدات الطاقة الشمسية والريحية بالجنوب المغربي.
مشروع الربط القاري
وفي إطار تعميق تلك الشراكة، تخطط بريطانيا لربط إقليم جبل طارق، الخاضع لسيادتها، بمدينة طنجة، على طول 28 كيلو متراً، لكن لم تحدد إلى الآن طبيعة الربط إن كان نفقاً تحت البحر أم جسراً معلقاً.
لكن الحكومة البريطانية، بحسب تقارير إعلامية، تعتزم بجدية إنشاء مشروع الربط القاري لاستغلال تداعياته على تعزيز التبادل التجاري الأوروبي – الأفريقي، وبالخصوص بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي زاد حاجتها إلى توسيع مجال شراكاتها الاقتصادية.
إعلان المشروع في الوقت الراهن يرتبط بالخطوات المتسارعة للموقف الأميركي في قضية الصحراء، وتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، بخاصة في ظل الطابع الاقتصادي للخطوة الأميركية، الذي يعززه إنشاء واشنطن لقنصلية في مدينة الداخلة الواقعة في العمق الصحراوي.
الإعلان البريطاني للتخطيط لمشروع الربط القاري بالتطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية والاقتصادية المغربية، في إطار تعزيز مكانة المملكة الاستراتيجية على المستوى العالمي، ونتيجة تعميق الدعم الأميركي الأخير.