عام مضى والمغرب يأخذ بأكبر قضاياه إلى سكة أخرى، سكة التأييد والدعم المتزايد من قوى عالمية، خاصة الأوروبية منها التي ظلت لسنوات تلعب على الحبلين وتحتفظ بموقفها من قضية الصحراء المغربية في الظل ورهن مزاجية السياسية بعيدا عن منطق العلاقات الاستراتيجية والتكامل في جوانبه المتعددة..
12 شهرا الفائتة تُكمل إذن 23 سنة من حكم الملك محمد السادس، ألبس خلالها المملكة ثوب جديدا في السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول والجلوس معهم على طاولة المفاوضات دون خلفيّة أو شروط مسبقة، أساسها ندية وتحييد لمركبات النقص.
نفس جديد في الدبلوماسية الخارجية التي يقودها الملك، التي أفاقت على وقع انتصارات سياسية ومكاسب من ذهب تخص ملف الصحراء المغربية، بدأها عاهل البلاد بتحذير الأوروبيين من أن الرباط، اختارت فقررت أنها لن تدخل مع أي طرف في علاقات اقتصادية مالم تشمل أقاليمه الجنوبية”..رسالة غير مشفرة لا لبس فيها بأن أساس العلاقات المغربية الأوروبية وغيرها تفتح أبوبها ما لم تقر تلك الدول بمغربية الصحراء أو تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي وضعته الرباط منذ سنة 2007.
تغيرت المواقع والتوازنات حسب المصالح التي رأت دول كثيرة منها ألمانيا وإسبانيا أنها بالمغرب توجد، واستمرارها في مواقف غامضة ورمادية من قضية الصحراء المغربية، هو من باب التعنت ليس إلا، إذ استشعر صانع القرار في برلين ومدريد تغير الرقعة الاستراتيجية لموازين القوى بالمنطقة وتحول المغرب إلى قبلة للاستثمار العالمي في مختلف القطاعات، سواء السيارات أو الطائرات أو الفلاحة أو قطاعات الطاقة..والمجالات السالفة كفيلة بأن تعيد ضبط عقارب السياسة على دقات المصالح.
تطويع للمواقف الأوروبية
خطابات الملك محمد السادس التي تميزت بلغتها المباشرة والرسائل الواضحة للشركاء الأوروبيين، يقول عنها عبدالعالي الكارح أستاذ القانون العام، أنها دفعت ألمانيا وإسبانيا إلى إعادة قراءة مشهد التحولات الجيوسياسية التي حلّت بمنطقة البحر الأبيض المتوسطي، فدخول اللاعب الأمريكي على خط الدعم المباشر لمقترح الحكم الذاتي، خلل ميزان القوى وميّله جهة المملكة المغربية التي رمت بثقلها الاقتصادي والسياسي لدفع دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ ذات الخطوة.
فمدريد وبرلين كانتا المعنيتين بخطاب الملك محمد السادس، يضيف المتحدث لـ”الأيام 24″ ما دفعهما مقترح المغرب للحكم الذاتي وبالقرار الأممي الأخير حول الصحراء (القرار 2602)، ووصفها لجهود المغرب بكونها “مساهمة مهمة للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء المغربية”، ودعمها للجهود المبذولة من طرف المبعوث الأممي، ستافان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول، على أساس القرار المذكور.
والظاهر أن اسبانيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وفق المحلل السياسي يريدون للعلاقات المغربية معهم أن تعود لسابق عهدها، تأميناً لمصالحهم من جهة، وخوفاً من أن يكونون مبعدين عن الفرص التي يوفرها المغرب باعتباره منصة استراتيجية للتوغل إلى العمق الإفريقي، خصوصاً وهم يرون حجم الاستقطاب الدولي الذي توفره المنطقة، ويرون حجم التحالفات الدولية التي دخل فيها المغرب في الآونة الأخيرة.
لكن في الجوهر، لا ينبغي تجاهل الدينامية الدبلوماسية التي أقدمت عليها الرباط لإجبار بعض الدول الأوروبية على تغيير موقفها، إذ لا يتعلق الأمر فقط باستعمال السلاح الاقتصادي والتجاري، وحرمان برلين ومدريد من فرص استراتيجية ضخمة بالمغرب، فقد اتجهت الدبلوماسية المغربية إلى تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع ثلاث قوى اقتصادية كبرى هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، ورفعت من منسوب توافقها مع صنع القرار في المانيا وإسبانيا.
ووفق المتحدث، فالمغرب وُضع في موقف جيد من حيث التفاوض عبر منطق القوة، على اعتبار أن الدبلوماسية الخارجية فهمت جيدا أنها لها أوراق وبالتالي وسائل ضغط لتحصيل مكاسب سياسية، وهذا هو أساس الندية في التعامل.
رمال الصحراء تتحرك
ملف الصحراء المغربية الذي خطى فيه المغرب خطوة عملاقة من أجل إنهاء نزاعه المفتعل، إذ دشنته سلطات الرباط كذلك بسياسة فتح القنصليات بالصحراء وذلك ترجمة للانعطاف الحاسم الذي أخذ طريقه الملف خلال السنتين الماضيتين أي منذ العام 2020، حين أقرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأحقية المغرب التاريخية على كامل أراضيه.
ومنذ عام 2019، بدأ المغرب تحركاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية لتشجيع الدول المتحالفة معه على فتح تمثيليات دبلوماسية في مدن العيون والداخلة.
ويرتفع عدد التمثيليات الدبلوماسية بمدينة الداخلة إلى 14 بعد أن كانت المدينة قد عرفت، في وقت سابق، افتتاح قنصليات كل من بوركينا فاسو، وهايتي، والكونغو الديمقراطية، وغامبيا، وغينيا، وجيبوتي، وليبيريا، وغينيا الاستوائية، وغينيا بيساو، وسيراليون، والسنغال و منظمة “دول شرق البحر الكاريبي” وسورينام. في المقابل، احتضنت مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء، في وقت سابق، قنصليات كل من جزر القمر، والغابون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وساوتومي، وبرينسيبي، وبوروندي، وساحل العاج، وإسواتيني، وزامبيا، والإمارات، والبحرين، والأردن.
ويثير افتتاح المزيد من القنصليات الأفريقية والعربية في مدينتي العيون والداخلة في الأقاليم الجنوبية للمغرب خلال الأشهر الماضية غضب جبهة “البوليساريو” الانفصالية، التي وصفته بـ”الاستفزاز الجديد والخطير”، فيما دعت الجبهة الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات عملية لوقف ما سمتها “الاستفزازات المغربية”.