جسر بريس من الرباط
مع اقتراب حلول شهر رمضان الكريم، تجددت الدعوات الى مقاطعة التمور الجزائرية بسبب جودتها السيئة، وعدم صلاحيتها للاستهلاك.
و طالب نشطاء من المغرب على مواقع التواصل بالإقبال على المنتوجات المحلية وعدم شراء التمور الجزائرية مدعين أنها تحتوي على سموم ومغشوشة و”معالجة لمواد مسرطنة”، كما دعا بعض المهنيين أصحاب تعاونية ووحدة تثمين التمور بجماعة تمزموط، التابعة لإقليم زاكورة، الى الانتباه الى ما وصفوه بـ”خطر إغراق السوق المغربية بالتمور الجزائرية والتونسية المستوردة”.
واجتاحت تدوينات موقع “فايسبوك”، كما انتشرت تغريدات بالفيديو على “تويتر” تدعو المستهلكين المغاربة إلى مقاطعة “التمور الجزائرية”، مؤكدين بأن الأموال التي تُدرّها تنتهي في خزينة النظام العسكري الداعم لأنشطة “جبهة البوليساريو” الانفصالية ذات الامتدادات الإرهابية المزعزعة لاستقرار المنطقة.
ما يدعم دعوات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الى مقاطعة التمور الجزائرية، هو التحذيرات التي سبق وأن أصدرها خبراء فرنسيين وألمان في شهر ماي 2017، من تغير لون التمور القادمة من الجزائر، إلى الأسود على عكس التمور الأخرى القادمة من دول المتوسط، مثل ليبيا وتونس، حيث أكد أعضاء في إحدى الغرف التجارية في الجزائر أن السبب قد يرجع إلى عملية تجميد التمور في غرف التبريد قبل تصديرها إلى أوروبا، وهو ما لا يتماشى مع طريقة حفظ التمور.
واهتزت صورة التمور الجزائرية سنة 2022، بعد أن قررت عددا من الدول الأوربية حظر استيرادها بعد أن كشفت تحاليل مخبرية وجود “مواد مسرطنة” ضمن تركيبتها.
الاعتراف بالجودة السيئة وعدم صلاحية التمور الجزائرية للاستهلاك، جاء على لسان رئيس غرفة التجارة والصناعة الزيبا بولاية بسكرة الجزائرية، عبد المجيد خبزي، الذي فضح سلطات بلاده، ووزارة التجارة، داعيا إياه إلى إجراء عمليات رقابة تشمل غرف التبريد وإخضاعها للشروط الدولية في معايير صناعة غرف التبريد الحديثة التكنولوجية للحفاظ على سمعة التمور المحلية في الخارج.
أما من الجانب المغربي، فقد أصدرت السلطات المغربية في عام 2017، قرارا يقضي بإخضاع كل أنواع التمور القادمة من دول عربية، في مقدمتها الجزائر، لمراقبة صارمة وتحاليل طبية لضمان سلامة المواطنين قبل الاستهلاك.
في سنة 2022، بلغ حجم التمور، ومنها الجزائرية، التي منعت السلطات المغربية دخولها إلى المغرب، أزيد من 400 طن، نظرا لعدم استجابتها لمعايير السلامة الصحية المعمول بها في المغرب.
وتخضع التمور على غرار باقي المنتجات الغذائية، للمراقبة المنتظمة عند الاستيراد عبر ثلاث مراحل، تتمثل المرحلة الأولى في التحقق من محتوى الملفات والمستندات المرافقة للتمور، تليها مرحلة مراقبة الهوية والمراقبة المادية بهدف التأكد من مطابقة التمور المستوردة للشواهد والوثائق المرفقة بها وأنها تفي بالمتطلبات التي تحددها النصوص الجاري بها العمل. وفي المرحلة الأخيرة من عملية المراقبة، يتم أخذ عينات من التمور على مستوى مستودعات التخزين ونقط البيع، وإجراء التحاليل المخبرية عليها.
أودع الصحافي في جريدة الشروق بلقاسم حوام السجن المؤقت، بقرار من قاضي التحقيق في العاصمة الجزائرية، على خلفية مقال حرّره يتحدث فيه عن وقف تصدير التمور الجزائرية، بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة، وهو الأمر الذي نفته وزارة التجارة لاحقا.
وجاء قرار حبس الصحافي حوام بعد إيداع وزارة التجارة شكوى ضد الجريدة وصاحب المقال، بدعوى التسبب بالضرر للاقتصاد الوطني. وبناء على ذلك، استدعي الصحافي للمحكمة للمثول أمام وكيل الجمهورية ثم قاضي التحقيق الذي أمر بإيداعه السجن المؤقت بعد توجيه التهمة رسميا له. وموازاة مع ذلك، منعت جريدة الشروق من الطبع في المطابع التابعة للحكومة، ما اضطرها للاحتجاب.
وفي المقال محل الإشكال، تحدث الصحافي على لسان مصادر، عن قرار اتخذه وزير التجارة بالوقف الفوري لتصدير تمور “دقلة نور” الجزائرية بعد أن سحبت من عدد من الأسواق الأوربية نتيجة معالجتها بمواد كيميائية غير مرخصة في أوروبا. وأبرز أن هذا القرار اتخذ للحفاظ على سمعة التمور الجزائرية، ومعالجة الإشكالات المرتبطة بتصديرها. كما أشار إلى الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المنتجون بسبب سحب “دقلة نور” من الرفوف في دول اعتادت استيراد التمور الجزائرية.
وأثار هذا المقال الصادر في النسخة الورقية للجريدة يوم 7 شتنبر 2022، غضب وزارة التجارة وترقية الصادرات، التي أصدرت بيانا يفند هذه المعلومات. وقالت في بيان لها إن “كل ما ورد في هذا المقال مبني على معلومات لا أساس لها من الصحة وغير مبررة وفيها مساس بالاقتصاد الوطني والثروة التي تزخر بها بلادنا”، مشيرة إلى أن “جودة التمور الجزائرية مطلوبة على كل المستويات الدولية”، وهي ادعاءات تفندها تصريحات الفلاحين الذين انتقدوا الوزارة بسبب استمرار عملها ببروتوكول رش التمور والنباتات بمبيدات محظورة على المستوى العالمي ما تسبب في رفض الدول الأوربية وامريكا للتمور الجزائرية حفاظا على صحة وسلامة مواطنيها.
وتأسفت الوزارة لما سمته ” التصرف غير المهني المبني على عدم تقصي صاحب المقال للحقائق والمعلومات الموثوقة والمقدمة من طرف مصالحها”، مبرزة أن “جهود هذه الأخيرة منصبة وبشكل كبير على ترقية وتشجيع الصادرات خارج المحروقات”. وأشارت إلى أنها “قررت اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية ضد صاحب المقال والجريدة المعنية بما في ذلك المتابعة القضائية أمام الجهات المختصة”.
لكن قرار حبس الصحافي حوام بسبب مقال يكفل القانون للجهة المتضررة منه حق الرد، أثار ردود فعل كثيرة لدى الصحافيين الذين تضامنوا مع زميلهم، واعتبروا سجنه متعارضا مع الدستور الذي ينص على حماية الصحافي من العقوبة السالبة للحرية فيما يتصل بعمله الصحفي.
وقد نشرت جريدة الشروق بيانا حول اعتقال الصحافي. وقال الصحافي رشيد ولد بوسيافة، إن “الزميل بلقاسم حوام قيمة مهنية وأخلاقية استثنائية، ومثال صادق عن الصّحفي الملتزم بقضايا أمّته ووطنه”، معتبرا “وجوده في السّجن خطيئة، لأن مساره نظيف وثري بالتجارب، فقد دافع عن المحرومين والمظلومين والفقراء وكان صوتا صادقا”.
وأبرز المحامي والحقوقي عبد الرحمن صالح في نفس السياق، أن “إيداع صحافي الحبس بعد متابعته على أساس عمله الصحفي هو اعتداء على الدستور والقانون”.
وكتب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة، من زاوية أخرى، أن “غياب جريدة عن الأكشاك دون أن ينتبه لذلك أحد، هو مؤشر كاف عن موت مهنة الصحافة في هذا البلد”. وأضاف “القطيعة واضحة بين المجتمع والصحافة بسبب غياب المصداقية”.
وقد انتشرت على مواقع التواصل صورة للمقال، الذي سجن بسببه الصحافي حوام.
وتكررت في الفترة الماضية، أخبار ملاحقة الصحافيين بسبب كتاباتهم. ومن أشهر من سجنوا رابح كارش صحفي جريدة “ليبرتي” بعد تغطيته لاحتجاج في ولاية تمنراست جنوب البلاد، كما تعرض آخرون للمتابعة بتهم “المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالمصلحة الوطنية” بسبب مقالات تم تكييفها قضائيا على هذا الأساس، وهي محاولة من نظام العسكر لإسكات كل الأصوات المعارضة والتي لا تتماشى مع عقيدته…