جسر بريس من الرباط
يواصل المغرب إظهار ندّيته في مواجهة المواقف والتصريحات المعادية أو المسيئة له الصادرة عن دول أو مؤسسات دولية، إذ لم يتأخر في الرّد على اتهامات مارغريتيس شيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بالهجرة، خلال مشاركته يوم 11 ماي الجاري في القمة الأوروبية لوزراء الخارجية في بروكسيل، بـ”استغلال المغرب ورقة المهاجرين سياسياً”.
المغرب من خلال مذكّرة احتجاجية على هذه التصريحات وجهتها مديرية الاتحاد الأوروبي بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إلى سفارة الاتحاد الأوروبي بالرباط، لم يعبّر عن رفضه للاتهامات المذكورة فحسب، بل شدّد فيها مغربية سبتة ومليلية المحتلتين اللتين يصرّ شيناس على إلحاقهما بإسبانيا.
وفي الندوة الصحافية التي أعقب المجلس الحكومي الأخير، وصفت الحكومة المغربية على لسان الناطق الرسمي باسمها، مصطفى بايتاس، تصريحات المسؤول الأوروبي من أصل يوناني بـ”الانزلاق”، قائلة إن “الموقف الذي عبر عنه المغرب كان لا بد منه بشأن الانزلاق الذي وقع”.
وأكد بايتاس في التصريح ذاته “اعتزاز وافتخار المملكة المغربية بالشراكة الحقيقية والكبيرة جداً مع الجار الإسباني، المبنية على الثقة والانخراط المشترك في معالجة مختلف التحديات”، مشدّداً على أن هذه “الصفحة الجديدة يرعاها جلالة الملك”، ما يوحي، وفقاً لمراقبين، بأن هذه العلاقات الثنائية بين البلدين “مستهدفة”.
ونقلا عن المصادر عينها، فإن “ألباريس لم يكتفِ برده على احتجاج الرباط؛ بل عقد اجتماعا مع صاحب التصريحات المعادية لمغربية المدينتين، والذي لم يتراجع عنها إلى حدود الساعة، نظرا لمنصبه المهم”.
وتابعت المصادر سالفة الذكر أن “المفوضية الأوروبية نفسها وقفت بجانب شيناس، والاجتماع الأخير مع ألباريس إلى جانب رده على المغرب زاد من حجم الدعم المقدم له”.
حسب الصحف الإسبانية عينها، يبدو الاجتماع كـ”مرحلة تصعيدية في أزمة سبتة ومليلية التي اندلعت في أحضان أجواء الانتخابات التي تعيشها الجارة الشمالية، والتي تعرف احتمال صعود اليمين إلى الحكم، المنتشي بالانتصار الساحق في الانتخابات البلدية”.
نبيل دريوش، المحلل السياسي المختص في الشأن الإسباني، قال إنه “يجب أن لا ننسى أن إسبانيا هي من يترأس الاتحاد الأوروبي منذ بداية الشهر؛ وبالتالي، فمن الطبيعي أن يكون عمل الدبلوماسية الإسبانية مختلفا في علاقة مع مسؤولي الاتحاد الاوروبي، خصوصا مع رهان الاشتراكيين على دورهم في الاتحاد الأوروبي من أجل كسب الأصوات في الانتخابات التشريعية”.
وتابع دريوش، في تصريح صحفي، أن “اهتمام إسبانيا الآن منصب على دورها في رئاسة الاتحاد الأوروبي في علاقة بالانتخابات التشريعية، واللقاء مع شيناس يأتي في هذا السياق”.
وبيّن المحلل السياسي المختص في الشأن الإسباني أن “صحف اليمين ضمن سياق انتخابي تحاول استعمال هذه الأوراق لإحراج الحكومة الاشتراكية، وتحريض الناخب اليميني”؛ لذلك، حسبه، “يجب التعامل مع هذه الأخبار بكثير من الحذر”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “موضوع سبتة ومليلة المحتلتين والعلاقة مع المغرب هي ورقة يوظفها اليمين ضد الاشتراكيين ضمن سياق انتخابي محموم”.
من جهته، أكد رشيد فارس، الكاتب العام للمواطنة والتعاون بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أن “مشكل سبتة ومليلة المحتلتين يأتي في إطار استغلال واضح من قبل حزب “فوكس” والحزب الشعبي، اليمينين؛ وذلك من أجل الضرب في العلاقات المغربية الإسبانية”.
وأضاف فارس، أن “هذه الأخبار تأتي في سياق سياسة اليمين وأذرعه الإعلامية من أجل إضعاف الحكومة وجهودها في بناء علاقات متميزة مع الجار الجنوبي المغرب”.
وشدد المتحدث عينه على أن “إطلاق مثل هاته الدعايات اليمينة هدفه جلب أصوات القوميين الإسبان، وخلق توترات بين الرباط ومدريد”، مضيفا في الوقت عينه أن “العلاقات بين البلدين تجددت مع مخرجات القمة الثنائية الأخيرة بالمغرب، وهي اللبنة التي يجب أن ينطلق منها تفسير كل المعطيات المقبلة”.
“على الرباط دائما عدم الانجذاب إلى دعايات اليمين الإسباني”، خلص الكاتب العام للمواطنة والتعاون بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، مبينا بذلك أن “الإسبان يعون جيدا دعايات اليمين، والناخب هناك يعلم أن البلدين وضعا طريقا مشتركا عنوانه التعاون والتنسيق والاحترام المتبادل”.
عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، قال: “من المؤكد اليوم أن العلاقات المغربية الإسبانية تتعرض لبعض الهزات السياسية الراجعة لعوامل مختلفة، قبل طفو تصريحات نائب رئيس المفوضية الأوروبية على السطح”.
وأبرز بنلياس، في تصريح صحفي، أن حديث شيناس عن المغرب تُحاول من خلاله المفوضية الأوروبية “إعادة العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى ما قبل 7 أبريل 2022، تاريخ الاتفاق على محددات جديدة للعلاقات بين الدولتين تقوم على حسن الجوار والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص”.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن مثل هذه التصريحات المستفزة لا يمكن أن تغير موقف المغرب بشأن حقه التاريخي في استرجاع مدينتي سبتة ومليلة والجزر الجعفرية.
وقال: “لا يمكن القفز على حقيقة انتماء سبتة ومليلية إلى المغرب، وأن عودتهما إلى السيادة المغربية هي مسألة لا نقاش فيها ومتروكة لتوفر الظروف السياسية المساعدة على تحقيق ذلك، بمثل هذه التصريحات التي لا يمكن للمغرب أن يدعها تمر دون الرد عليها”.
من جانبه، عزا زهر الدين طيبي، تصريحات نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بالهجرة، إلى التغيرات التي تعرفها أوروبا بعد ما يُعرف بـ”البريكسيت” (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وذلك “بسبب الفراغ الذي خلّفه غياب اللوبي المشكل من مجموعة من أحزاب أوروبا الشمالية وبريطانيا الذي دافع دائما على مغربية الثغرين المغربيين المحتلين”.
وأشار طيبي، إلى أن “المغرب بوصفه حديث مارغريتيس شيناس بأنه انزلاق، يكون قد خرج عن صمته المعتاد”، مذكّراً بعدم تطرّق المغرب لهذا الملف في السابق بالرّغم من التوترات التي عرفتها العلاقات بين المغرب وإسبانيا، لاسيما حين احتجت الأخيرة على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.