جسر بريس من الرباط
تواصل دول من جميع قارات العالم إعلان تأييدها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي تقدّم به المغرب سنة 2007 لإنهاء النزاع المفتعل، آخرها جمهورية التشيك التي اعتبرت المقترح في إعلان مشترك “مجهودا جادا وذا مصداقية من جانب المملكة المغربية، وأساسا جيدا لحل متوافق بشأنه بين الأطراف”.
إثر ذلك، أبرز ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في العاصمة براغ عقب التوقيع على الإعلان المشترك مع وزير الشؤون الخارجية التشيكي، يان ليبافسكي، أنه بعد هذا الموقف الأخير، ارتفع عدد البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تدعم وتثمن مخطط الحكم الذاتي إلى 14.
ويرى خبراء في العلاقات الدولية أنه عبر نيل تأييد دول إضافية لهذا المقترح، يحقق المغرب عددا من المكتسبات في دعم مشروعية سيادته على صحرائه وفي دفع مجلس الأمن والدول المؤثرة في السياسة الدولية إلى الضغط على الجزائر-باعتبارها حاضنة البوليساريو-لرفع يدها عن هذا النزاع والتحاقها بآلية الموائد المستديرة لمناقشة تفاصيل وترتيبات طيه، وهو ما ذهب إليه عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط.
وقال بنلياس، إن “تغيير توازن القوى في السياسة الدولية، هو المحدد الأساسي لحل الأزمات الدولية”، مشيرا في هذا السياق إلى أن “ما تقوم به الدبلوماسية المغربية يدخل في إطار تغيير هذا التوازن بإقناع الدول في مختلف القارات بأهمية مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لوضع حد لهذا النزاع الإقليمي”.
ويهدف حشد الدعم للمبادرة المغربية التي توصف في قرارات مجلس الأمن ومواقف مجموعة من الدول بأنها “الأكثر جدية ومصداقية”، وفق الخبير ذاته، إلى “تحقيق نتيجتين؛ تتعلّق الأولى بتوسيع دائرة الدول التي تؤيد مبادرة الحكم الذاتي حتى يصبح صوت الدول التي تدعم المبادرة المغربية أكبر في منظمة الأمم المتحدة، فيما تتعلّق الثانية بإقبار أطروحة تقرير المصير وإشهاد المجتمع الدولي على أن الجزائر هي الصوت الوحيد والضعيف الذي يعمل بكل الوسائل على استدامة هذا النزاع الذي يهدد استقرار وأمن منطقة شمال إفريقيا ودول شمال حوض البحر الأبيض المتوسط”.
ويتّفق محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، على أن إتمام جمهورية التشيك العدد الرابع عشر من الدول المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية من مجموع 27 دولة مشكّلة للاتحاد الأوروبي، “يقوّي موقف المغرب في هيئات الأمم المتحدة التقريرية ومجلس الأمن”، غير أنه عاد لينبه إلى أن “هذا لا يعني بالطبع أن النزاع سينتهي بشكل نهائي”.
وأشار الغالي، إلى أهمية الوصول إلى هذا الرّقم تزامناً مع استعداد مجلس الأمن لإصدار قراره بشأن الوحدة الترابية للمملكة، لاسيما ما يتعلّق بتمديد مدة مهمة بعثة المينورسو، مبرزاً أن “أطرافا أخرى ستتحفّز لاتخاذ الموقف نفسه، ما سيشكّل عامل ضغط يقوّي التمسّك بالمبادرة السياسية (الحكم الذاتي) بدل النعرات الانفصالية”.
وداخل هذا المنتظم الأوروبي الذي أصبحت الغالبية فيه ترى جدية مخطط الحكم الذاتي، مقابل تراجع “أطروحة الانفصال”، يعود من جديد نقاش “موقف باريس الشاذ”، الذي رغم دعمه المقترح المغربي فإن تنصله من الأدوار التي كان ينتظر منه القيام بها داخل أوروبا خلال فترة رئاسته الاتحاد أدخل العلاقات بين باريس والرباط إلى “غرفة البرود”.
ومنذ اندلاع الأزمة التي يعتقد أن التأشيرات سببها واصلت باريس على لسان عدد من مسؤوليها التذكير بـ”دعم فرنسا للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية”، غافلين المتغيرات السياسية والميدانية في الملف، التي دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتراف بسيادة المملكة على ترابها (في انتظار استكمال التزاماتها في ما يخص مسألة القنصلية)، ومختلف دول العالم إلى فتح تمثيل دبلوماسي لها في مدينتي العيون والداخلة.
وفي ظل هذا الدعم الأوروبي وارتباطا بالمتغيرات السياسية الحاصلة في العلاقات بين باريس والرباط، التي عرفت وضع حد لشغور منصب سفير المملكة بفرنسا، ربما تجد باريس، وفق مراقبين، نفسها أمام “توطئة مناسبة لإعادة النظر في سياستها تجاه ملف الصحراء المغربية”.
في هذا الصدد يرى محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية، أن “تجديد التشيك دعم مخطط الحكم الذاتي يؤشر من جديد على استمرار الدينامية العالمية الداعمة للموقف المغربي من النزاع المفتعل”.
وأضاف عطيف، أن “هذا الأمر يفسر بشكل واضح استمرار الانتصارات الدبلوماسية المغربية على مغالطات الجهة الانفصالية، خاصة على مستوى المنتظم الأوروبي”.
واعتبر المتحدث عينه أن “هذا الإجماع الأوروبي شبه الكامل على دعم الموقف المغربي يبين كيف أن هاته الدول أصبحت تعي حقيقة النزاع، وترافق بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأيضا قرارات الأمم المتحدة، واللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، التي أقبرت أطروحة الاستفتاء”.
“رغم أن فرنسا لا تخرج عن هذا الإجماع الأوروبي لكن موقفها مازال غامضا للغاية، وهذا هو لب المشكل في العلاقات بين البلدين، لكن المؤشرات الحالية، بالإضافة إلى استمرار المد الأوروبي الداعم للموقف المغربي، قد تعجل بزوال الغموض الفرنسي”، يورد الباحث في العلاقات الدولية.
من جانبه أوضح طارق أتلاتي، رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أن “الحديث عن ملف الصحراء في الوقت الحالي يعني استحضار سياق دولي جديد يدعم الموقف المغربي، وذلك بفضل الرؤية الدبلوماسية الجديدة التي يتبناها العاهل المغربي”.
وأورد أتلاتي، أن “هاته المقاربة جعلت العديد من الدول الأوروبية تراجع سياستها تجاه هذا الملف، والنظر إلى الموقف المغربي كحل جدي للنزاع، ولا بد من استمرارها من خلال الانتباه باستمرار إلى التوجيهات الملكية”.
ولفت رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية إلى أن “هذا المد الأوروبي كان دائما ومازال يسائل الموقف الفرنسي، الذي أصبح، ليس فقط في ملف الصحراء بل في ملفات أخرى، يفقد حلفاءه باستمرار”.
وشدد المتحدث سالف الذكر على أن “فرنسا تعلم أنها لا تقوم بدورها المرغوب فيه في ملف الصحراء، كما أنها تعي أن عودة العلاقات بالشكل المطلوب تتطلب استحضار الدور المرغوب فيه، نظرا للتحولات الجارية على الساحة الدولية”.
وخلص أتلاتي إلى أن “الاعتراف بمغربية الصحراء من قبل فرنسا هو الباب الوحيد لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، فيما المملكة مستمرة في حصد التأييد العالمي”.