في تطور لافت يعكس عمق الأزمة المتصاعدة في منطقة الساحل، أقدمت كل من النيجر ومالي وبوركينافاسو على سحب سفرائها من الجزائر،على خلفية إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة مالية آواخر مارس الماضي في خطوة تزيد من حدة التوتر وتضع علامات استفهام كبرى حول دور الجزائر في تهديد السلم والأمن الإقليمي .
وتعليقا على الموضوع يرى ، أحمد نور الدين الخبير في العلاقات الدولية والباحث في شؤون الصحراء ، أن هذا القرار يأتي في سياق استراتيجية ممنهجة تتبعها الجزائر لإدامة حالة عدم الاستقرار والنزاعات في دول الجوار بمنطقة الساحل، وذلك بهدف بسط نفوذها وهيمنتها الإقليمية. وشدد نور الدين على أن هذه السياسة تقوض بشكل خطير جهود تحقيق الأمن والتنمية المستدامة في المنطقة.
وكشف نور الدين، عن استراتيجية ممنهجة تتبعها الجزائر لإدامة حالة عدم الاستقرار والنزاعات في دول الجوار بمنطقة الساحل، وذلك بهدف بسط نفوذها وهيمنتها الإقليمية.
وشدد نور الدين على أن هذه السياسة تقوض بشكل خطير جهود تحقيق الأمن والتنمية المستدامة في المنطقة.
واستند المحلل السياسي في تحليله على معطيات وتقارير موثقة، مؤكداً أن رفض حركات أزواد للدور الجزائري في الأزمة المالية، والتعبير الصريح عن عدم ثقتها في “اتفاق الجزائر” الذي وصفته بـ “الميت” منذ ولادته عام 2015، يمثل دليلاً قاطعاً على الشكوك العميقة تجاه نوايا النظام الجزائري.
اتهامات رسمية ودولية متصاعدة:
أوضح نور الدين أن حكومات دول الساحل، وفي مقدمتها مالي، لم تعد تتردد في توجيه اتهامات صريحة للجزائر بالقيام بدور هدام من خلال دعم الإرهاب واحتضان الحركات الانفصالية. واستشهد بتصريحات رسمية لوزير خارجية مالي في يناير 2025، والتي اتهم فيها النظام العسكري الجزائري بدعم الجماعات الإرهابية في بلاغ رسمي. كما ذكر بتصريح سابق للعقيد عبد الله مايغا، وزير الدولة والمتحدث باسم الحكومة الانتقالية المالية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر 2024، والذي وصف فيه الجزائر بأنها “تأوي إرهابيين”.
عرقلة الحلول.. سياسة ممنهجة لخدمة الأجندة الخاصة:
يرى المحلل السياسي أن الجزائر لا تكتفي بالتدخل السلبي، بل تعمد إلى عرقلة أي حلول للأزمات الإقليمية لا تخدم أهدافها. واستدل بتصريح للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية عام 2020 عقب الانقلاب الأول في مالي، والذي أكد فيه بـ “صلف وصفاقة” أن “حل الأزمة في مالي لن يتم إلا بموافقة الجزائر”. واعتبر نور الدين أن هذا التصريح يكشف عن نية مبيتة لدى الجزائر لتقويض أي مبادرة دولية أو إقليمية لا تتوافق مع رؤيتها.
وأشار إلى أن هذه العرقلة تتخذ أشكالاً متنوعة، من دعم الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية والجريمة المنظمة، مرجعاً ذلك إلى خشية الجزائر من أن يؤدي حل قضية أزواد إلى مطالبة الطوارق في الجزائر بالاستقلال.
الجزائر.. مصدر لزعزعة الأمن وتصدير الإرهاب:
يؤكد أحمد نور الدين أن الجزائر باتت تشكل عاملاً رئيسياً في زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، مشيراً إلى دور جزائريين في تأسيس وقيادة معظم التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، مثل عبد المالك درودكال وأبو عبيدة العنابي في تنظيم “القاعدة”، والمختار بلمختار في تنظيم “الموقعون بالدم”. ولفت إلى أن هذه التنظيمات تسببت في نشر الفوضى والرعب والقتل وتهجير آلاف المدنيين في دول الساحل والصحراء.
ترهيب وابتزاز.. أدوات رئيسية في السياسة الجزائرية:
يرى المحلل السياسي أن الجزائر تعتمد سياسة الترهيب كخيار استراتيجي في تعاملها مع دول الساحل. واستشهد بمطالبة وزير خارجية مالي للجزائر في يناير 2025 بالتوقف عن استغلال أزمة بلاده لتعزيز موقعها الدولي، وتأكيده على أن مالي ليست بحاجة لدروس من الجزائر، وأن الأخيرة أولى بحل مشكلة شعب القبائل المطالب بالاستقلال. كما أشار إلى التصريحات “المعادية” التي أدلى بها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في شتنبر 2024، ووصفه لوزير الدولة في جمهورية مالي بـ “قليل الأدب”، معتبراً ذلك “عملية ترهيب وابتزاز بكل المقاييس”.
هاجس معاداة المغرب.. وعرقلة التعاون الإقليمي:
يؤكد نور الدين أن الهاجس الرئيسي الذي يحرك السياسة الجزائرية في المنطقة هو عرقلة أي تعاون بين دول الساحل والمغرب، انطلاقاً من عقيدة راسخة في معاداة المملكة والإضرار بمصالحها. وذكر بشهادة الوزير الأول الجزائري السابق عبد المالك سلال أمام المحكمة، والتي اعترف فيها بتبديد المليارات لعرقلة المبادرات المغربية. كما أشار إلى حوادث الاعتداء المتكررة على سائقي الشاحنات المغاربة في دول الساحل، وآخرها الاتهام الذي وجهه التلفزيون الجزائري للمغرب بالوقوف وراء سحب سفراء مالي والنيجر وبوركينافاسو، متجاهلاً البلاغ الرسمي المالي الذي أوضح أن سحب السفراء جاء رداً على إسقاط طائرة مسيرة مالية من قبل الجيش الجزائري.
دعوة للتحرك المغربي العاجل.. “فرصة القرن”:
في ختام تحليله، دعا المحلل السياسي أحمد نور الدين المغرب إلى اغتنام “فرصة القرن” والتحرك بشكل حازم في دول الساحل الثلاثة على الأصعدة العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والثقافية لدعمها في مواجهة “الأدوار التخريبية” للجزائر. وشدد على ضرورة مغادرة “مقاعد المتفرجين” والتعامل بحزم مع الجزائر بهدف “تفكيكها وتحييد خطرها بشكل نهائي”.
واقترح نور الدين إنشاء تحالف قوي مع دول الطوق في الساحل لمحاصرة الجزائر وعزلها، ثم الانتقال إلى مستوى المنظمات القارية والدولية لاستصدار عقوبات ضدها، بالتنسيق مع كافة الحلفاء. كما أكد على أهمية الاستثمارات الاقتصادية والبنيات التحتية لدعم صمود دول الساحل وتسريع مبادرة انفتاحها على موانئ المغرب عبر معبر أمغالا، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ستمكن المغرب من تحقيق عدة أهداف استراتيجية، من بينها طي نزاع الصحراء، وتطويق الجزائر، وتفكيك “الدولة المارقة”، وإنشاء تحالف قوي مع دول الساحل، وتطوير البنيات التحتية وتعزيز الربط الإقليمي.