أثار إغلاق موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لبعض الصفحات الفلسطينية جدلًا واسعًا داخل الأوساط المحلية والدولية، لاسيما أنه جاء بعد لقاء جمع مسؤولي الموقع مع مسؤولين بالكيان الصهيوني في منتصف الشهر الجاري للاتفاق على ما سموه «سبل مكافحة التحريض ضد إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي».
وكشفت الطريقة المرنة التي تعامل بها مسؤولو «فيس بوك» مع الحكومة الإسرائيلية مدى التعاون والعلاقة الجيدة بين الجانبين، التي تقوم على اتباع سياسة منحازة للكيان على حساب الفلسطينيين الذين تصفهم إسرائيل بالإرهابين والمحرضين.
وشارك في اجتماع إدارة موقع التواصل ومسؤولي الكيان الصهيوني وزير الأمن العام الإسرائيلي، جلعاد إردان، ووزيرة العدل، إيلي شاكد، وهما اللذان يقودان الحملة ضد استخدام الفلسطينيين لمواقع التواصل الاجتماعي لنشر مواد تضر بالكيان الصهيوني، وقال مكتب إردان في تصريحات رسمية، إنهما توصلا إلى اتفاق مع ممثلي «فيس بوك» لتشكيل فريق يعمل على وضع تصور لكيفية مراقبة المحتوى على موقع التواصل الاجتماعي.
كما اقترح الوزيران «إردان وشاكد» مشروع قانون لإجبار مواقع التواصل الاجتماعي على إزالة أي محتوى تعتبره إسرائيل تحريضيا، بينما قدم أعضاء آخرون فى الكنيسيت مشروع قانون لإجبار هذه المواقع على مراقبة المحتوى بنفسها، إذ يعتقد الكيان أن استخدام الفلسطينيين وسائل التواصل الاجتماعي قد يلعب دورا كبيرا في حدوث موجة أخرى من الانتفاضة التي تشهدها بعض المناطق الفلسطينية، فيما يري مراقبون أن العلاقة الصهيونية مع «فيس بوك» تثير الريبة وتؤجج الشكوك، الأمر الذي يجعل من الواجب مواجهة هذا الموقع المتوغل في الحياة الاجتماعية للعرب بطريقة كبيرة.
واللافت موقف «فيس بوك» نفسه الذى قال في بيان صحفي عقب اللقاء إن التطرف الإلكتروني لا يمكن مكافحته إلا عبر تعاون صناع القرار والأكاديميين والشركات، ولا مكان للإرهابيين في فضائه الإلكتروني، ووصف اللقاء مع المسؤولين الإسرائيليين بأنه كان «بناء».
وبحسب موقع أسوشيد برس، فإنه على مدى الشهور الأربعة الأخيرة، طلبت إسرائيل من موقع فيسبوك حذف 158 منشورا اعتبرتها «محرضة على العنف»، بالإضافة إلى 13 طلبًا مماثلا لموقع يوتيوب، واستجاب فيس بوك لنحو 95 % من هذه الطلبات، بينما استجاب يوتيوب لـ80%.
وفي نفس الإطار، أعلنت شبكة “قدس الإخبارية” الفلسطينية السبت الماضي، أن إدارة موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي حذفت عددًا من الحسابات الإدارية لعاملين في صفحات إخبارية فلسطينية، من بينهم الشبكة، موضحة أن إدارة “فيسبوك” شرعت في إغلاق عشرات الحسابات الفلسطينية لصحفيين ونشطاء بالضفة الغربية وقطاع غزة على خلفية منشورات لهم.
وأكدت الشبكة أن إدارة فيسبوك لم تنجح في حذف الصفحات الموثقة لعدم توافر أسباب تقنية تتعلق بالمحتوى المنشور ومخالفته لقوانين النشر، فلجأت إلى حذف حسابات إداريي الصفحات للنيل منها، مما يعتبر تطبيقًا لاتفاقياتهم مع الاحتلال، حيث حذف فيسبوك للشبكة حسابات أكثر من 3 إداريين فيها، بعد سلسلة من السياسات ضد الشبكة وصفحاتها والتحريض عليها حتى في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وكذلك أعلنت صفحة شهاب على فيسبوك أن إدارة الموقع حذفت عددًا من حسابات إداريي الصفحة دون سبب واضح، فيما أكد النشطاء الفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا الأمر يحدث خضوعًا للاتفاقيات المبرمة التي تم توقعيها بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وإدراة فيس بوك؛ لمواجهة وحجب المحتوى الفلسطيني وتقويضه.
مراقبة المواقع الفلسطينية
موقع «ذا انترسبت» أكد في تقرير سابق له أن هناك عمليات مراقبة تتم على موقع التواصل الاجتماعى الأشهر “فيس بوك” من خلال دعم إسرائيلي، ونشر التقرير العديد من المخاطر التي تم تسليط الضوء عليها سابقًا من تحول شركات التكنولوجيا خاصة مثل «فيسبوك» و«تويتر» إلى مراقبين بشأن ما يمكن وما لا يمكن رؤيته، لافتا إلى إن عمليات الرقابة التي يمارسها «فيسبوك» تمتد لما هو أبعد من هذه المراقبة.
وأضاف الموقع أنه في الوقت الذي تدفع الحكومة الصهيونية قدمًا نحو اتخاذ الخطوات التشريعية التي تهدف للحد من التحركات الفلسطينية المناهضة للكيان الصهيوني على الفيس بوك، فإنها على وشك أن تجبر إدارة الموقع على الالتزام بهذا القانون وتفرض رقابة على المحتوى الذي يعتبره مسؤولون إسرائيليون غير لائق، مؤكدًا الموقع ذاته أن «فيس بوك» يبدو أنه حريص على استرضاء الكيان الصهيوني من خلال العمل مباشرة معه لتحديد المحتوى الذي يجب أن يخضع للرقابة.
في عام 2014، استخدم الآلاف من الإسرائيليين «فيس بوك» لنشر رسائل «تدعو إلى قتل الفلسطينيين»، وعندما ألقي القبض على جندي تابع لجيش الدفاع الإسرائيلي، أطلق النار وقتل جريحا فلسطينيا في احتفالات رأس السنة، واستخدم جنود جيش الاحتلال «فيس بوك» للثناء على القتل وتبرير العنف، مع حشد الدعم عبر الإنترنت، كما أن وزيرة العدل «شاكد» استخدمت فيسبوكلنشر التطرف والخطاب الذي يحفز على العنف ضد الفلسطينيين، كما استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من كبار الوزراء، نفس الشيء.
وفي نفس العام، ظهرت فيديوهات على يوتيوب وفيس بوك مئات من المتطرفون الإسرائيليين الغاضبين يركضون وهم يهتفون “الموت للعرب”، ويبحثون عن الفلسطينيين لمهاجمتهم، كل هذه الأمور لم يتم إدانتها من قبل إدارة الموقع ولا حظرها ولا وقف حسابات القائمين عليها، بينما تقوم الشركة بالتنسيق مع الحكومة الصهيونية لتحجيم الفلسطينيين ومراقبة حساباتهم، الأمر الذي يطرح تساؤلًا: لماذا تقوم مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الخطوة المنحازة للكيان الصهيوني بل في بعض الأحيان إلى كل الدول العظمي؟
أجاب الموقع في تقريره بقوله إن «فيسبوك» شركة خاصة، مع التزام قانوني بتعظيم الربح، حيث يفسر مفاهيم خادعة مثل «خطاب الكراهية» و«التحريض على العنف» لإرضاء الذين يتمتعون بالقوة العظمى، وبالتالي من غير المعقول أن يحلم أحد بأن «فيسبوك» يحذف هذا النوع من الدعوة أو التحريض على العنف ضد الفلسطينين أو ضد الدول الفقيرة.
حملة لوقف التعاون الصهيوني مع «فيس بوك»
في السياق ذاته، أطلق نشطاء فلسطينيون حملة دعت للانضمام والمشاركة في إيقاف النشر والتفاعل على صفحات وحسابات الفيسبوك الأحد الماضي، وشددوا على أن القوانين التي تُسن لتقييد الحريات الشخصية لم تكن بالضرورة دائمًا لصالح المجتمعات والشعوب، “وكانت في أغلبها تعود بالنفع والفائدة على السلطات والأنظمة”.
وتابعوا: “الأمر الذي سيصب بالتأكيد في صالح سلطات الاحتلال بالكامل هذه المرة، إذا لم يتم العدول عنه فورًا“، وأفادت الحملة أنه سيتم الإعلان لاحقًا عن خطوات تصعيدية للتأكيد على رفض الاتفاق الأخير بين سلطات الاحتلال وإدارة فيسبوك، مطالبة بالتراجع عنه فورًا، احترامًا للمواثيق والاتفاقيات والمعايير الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
وأكدت على ضرورة التراجع عن دعم الوضع غير الشرعي الناجم عن سياسات وممارسات الاحتلال، وأن يتم نشر نص الاتفاق مع الاحتلال بكافة بنوده، وتابعت: “يجب الإعلان أيضًا عن الشروط التي تسمح لإدارة الفيسبوك بتجاوز الحريات الشخصية لمستخدمي الإنترنت، والتعاقد مع سلطات وأنظمة لتقييدها، وتوضيح آليات تطبيق الاتفاقيات بشكل عام، والاتفاق مع تل أبيب بشكل خاص“.