من المفروض ان يقوم النظام العسكرى الجزائري، بسحب سفيره من واشنطن في اسرع وقت ممكن ، فالولايات المتحدة تؤكد مرة اخرى موقفها الداعم للمغرب ، و تؤكد مرة أخرى أن لا حل خارج اطار سيادة المغرب على صحراءه. وهذا الأمر يتناقض كليا مع ما تصفه بمواقف الجزائر “الثابتة” ، ويعارض بشكل سافر مع ماتفرضه ضوابط “النيف ” الجزائري.
لقد سحبت الجزائر سفراءها من إسبانيا و فرنسا ، مثلا، مباشرة بعد اعترافهما بمغربية الصحراء ، واصدرت وزارة الخارجية الجزائرية، وهي الوحيدة في العالم التي تقوم بذلك ، بيانات تنديدية واستنكارية حين اعتراف اي دولة بالسيادة المغربية على الصحراء ، او حين تقوم اي دولة بسحب اعترافها بيافطة مليشيات البوليساريو ، كما تصدر بيانات تنديدية في كل لحظة، بمناسبة كل زيارات وفود رسمية فرنسية كانت او أجنبية الى الاقاليم الجنوبية للمملكة … ، فهل سيقدم النظام العسكرى على امر مماثل، وتقوم وزارة الخارجية باصدار بيان يندد ويستنكر الموقف الامريكي الذي برز بشكل لافت ، أياما معدودات قبل انعقاد مجلس الامن ؟ .
.
المؤكد ان النظام العسكرى الجزائري الذي انبطح بشكل مشين و عرض مؤخرا على الولايات المتحدة الأمريكية كل مايملك ابتغاء رضاها ، لن يجرء على سحب سفيره من واشنطن كما فعل مع فرنسا او اسبانيا ، ولن تكتب خارجيته سطرا واحدا منددا بما وقع ، بل ولن يستطع حتى رفع أصبعه الصغير ، خوفا من ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية ،وسيلتزم الصمت مدلولا ومقهورا كعادته، وسيتجنب إعلامه التعليق المنحط على تأكيد اعتراف واشنطن الصريح بمغربية الصحراء ، كأن الامر يعني كوكبا اخر .
بيان وزارة الخارجية الجزائرية الذي صدر صبيحة اليوم تعبر فيه الجزائر فقط عن اسفها بدون أن تستعين بالقاموس الذي عادة ما توظفه في استعمال عبارات التجريحوالتهجم والاعتداءاللفظي ، البيان يعبر فقط عن الاسف وحده ، وبعبارات تعكس الاحباط الشديد وانسداد الافق و الخوف التي تعيشه حاليا الجزائر.
و في تكرار لا يبدو أنه سيتوقف، أطلقت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بيانًا جديدًا في التاسع من أبريل 2025، تُعلق فيه هذه المرة على بيان الخارجية الأمريكي المؤكد لمغربية الصحراء والداعم بقوة للموقف المغربي.
البيان الجزائري بدا كمن يريد أن يُسمع صوته فقط، حتى ولو لم يُنصت إليه أحد.
في محتواه، أعربت الجزائر عن “أسفها الشديد” لما اعتبرته دعمًا أمريكيًا صريحًا لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، معتبرة أن هذا الموقف يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ومبادئ القانون الدولي، رغم أن المجتمع الدولي – أو على الأقل معظم القوى الكبرى – بات يتجه بشكل متزايد نحو تأييد الطرح المغربي كحل واقعي وعملي للنزاع الممتد.
البيان لم يأتِ بجديد، سوى التذكير بالمواقف المعتادة التي أصبحت تكرارها أشبه بـ”متلازمة البلاغات”، إذ تصر الجزائر على أن قضية الصحراء “مسألة تصفية استعمار” رغم أن الواقع الميداني والسياسي والدبلوماسي يشير إلى أن القطار قد غادر منذ سنوات هذه المحطة.
اللافت أن الجزائر تواصل التحدث باسم “شعب الإقليم” دون أن تكون طرفًا معترفًا به في المفاوضات أو حتى ممثلًا مباشرا له، مكتفية بلعب دور المعلق الخارجي الذي يرفض كل الحلول العملية، دون أن يقدم بديلاً مقنعًا.
السؤال الذي بات يُطرح بإلحاح: هل تمثل هذه البلاغات فعلًا موقفًا دبلوماسيًا ناضجًا، أم أنها مجرد محاولة لصنع ضوضاء تغطي على المأزق الداخلي الذي تعيشه الجزائر في ملفات إقليمية ودولية عديدة؟ والأهم: من المستفيد من كل هذا التكرار؟
حتى إشعار آخر، يبدو أن مسلسل “إسهال البيانات” سيستمر، ما دامت الجزائر ترفض الاعتراف بالتحولات الجارية إقليميًا ودوليًا، وتُصر على البقاء حبيسة سرديات قديمة فقدت بريقها منذ زمن.