يدور حراك واسع ومبكر داخل أطر أحزاب المعارضة التركية وتحالفها الرئيسي «تحالف الأمة» لتحديد المرشح الموحد المتوقع لخوض انتخابات الرئاسية التركية أمام الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك لأسباب مختلفة أبرزها الاستعداد لإمكان حصول انتخابات مبكرة في البلاد، والاستعداد المبكر لتعزيز فرص الفوز في الانتخابات العادية المقررة منتصف عام 2023.
وتعتبر المعارضة التركية أن الانتخابات المقبلة هي فرصتها الذهبية لوضع حد لسيطرة حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان على الحكم منذ أكثر من 18 عاماً، وتسعى للاستعداد المبكر للانتخابات المقررة منتصف 2023، لكنها في الوقت نفسه تستعد أيضاً لسيناريو إجراء انتخابات مبكرة تقول إن أردوغان يمكن أن يلجأ إليها عندما يكون جاهزاً لها لتجديد الثقة به من الشارع التركي عقب الانتقادات المتزايدة حول إدارته السياسية والاقتصادية للبلاد في الأشهر الأخيرة.
ويدور النقاش بدرجة أساسية في الأوساط الداخلية لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يعاني من معضلة الفشل في الوصول إلى الحكم منذ عقود في ظل استمرار رفض رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو خوض الانتخابات الرئاسية وتقديم مرشح آخر بدلاً عنه، كما فعل طوال الانتخابات الماضية، وهو ما ولد انتقادات حادة ضده داخل الحزب.
ويميل زعيم الحزب إلى ترشيح شخصية أخرى من داخل الحزب على غرار ما جرى في الانتخابات الماضية من ترشيح النائب عن الشعب الجمهوري محرم إنجي، أو اللجوء إلى مرشح من خارج الحزب يجري التوافق عليه مع أحزاب المعارضة الأخرى المنضوية تحت سقف تحالف المعارضة «تحالف الأمة».
لكن المقترح الأخير المتعلق بإمكانية دعم مرشح من خارج الحزب، وعلى الرغم من إمكانية أن يحظى بفرص أكبر للفوز في الانتخابات، إلا أنه يلقى معارضة شديدة من القاعدة الأساسية للحزب التي تعيب على حزبها التاريخي الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، انعدام قدرته على تقديم مرشح من قياداته الأساسية واللجوء إلى مرشح خارجي توافقي، الأمر الذي وسع الخلافات داخل أطر الحزب.
وسعى القيادي في الحزب والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية إلى فرض نفسه مبكراً والحصول على وعود بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة باسم الحزب، إلا أن زعيم الحزب رفض ذلك بقوة، ما دفع الأخير إلى البدء بحملة انتقادات واسعة وما دفع للاعتقاد بنيته تشكيل حزب جديد لخوض الانتخابات قبل أن يعلن إنجي عن نيته بدء «حركة سياسية» لمدة 1000 يوم للترويج لنفسه لخوض الانتخابات الرئاسية، وهو سيجري خارج أطر الحزب على الأغلب.
خلافات داخل «الشعب الجمهوري» وتحالف المعارضة
وبعيداً عن إنجي المرفوض من زعيم الحزب، يبرز اسم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي اكتسب شعبية واسعة خلال فترة الانتخابات وما تخللها من صراع سياسي في المدينة التي تضم أكثر من 20٪ من سكان تركيا، إلا أن الشكوك تبقى قائمة بقوة عن مدى قدرة الأخير على الوقوف في وجه أردوغان بانتخابات رئاسية في ظل عدم تمتعه بخبرة سياسية وكاريزما تؤهله لخوض هذه المعركة الصعبة. وإلى جانب إمام أوغلو، يبرز اسم منصور يافاش، رئيس بلدية العاصمة أنقرة عن حزب الشعب الجمهوري، وهو شخصية سياسية تتسم بالاتزان والخبرة والقوة ولديه توجهات قومية ومحافظة ويتمتع بثقة أكبر وإيمان من شريحة أوسع من الجمهور بقدرته على المنافسة في الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى إمكانية قدرته على اجتذاب شريحة أوسع من أصوات المحافظين والقوميين، وبالتالي تعزيز فرص فوزه في حال ترشيحه.
هذه الخيارات تبدو قوية ومقبولة داخل أطر الحزب، لكن التعقيدات لا تبقى في إطار الحزب فقط، وإنما تتسع لتشمل التوافق على مرشح مع تحالف أحزاب المعارضة الأخرى، حيث لم يعد بقدرة أي شخصية سياسية في تركيا، بما في ذلك أردوغان، المنافسة على الانتخابات الرئاسية من خلال حزبه فقط، وإنما من خلال تحالف أحزاب المولاة أو المعارضة، وذلك بعدما تشكلت أحزاب سياسية جديدة وتراجعت قدرة أي حزب على حسم الانتخابات بمفرده.
وفي هذا الإطار، عاد مقترح سابق إلى الواجهة بقوة، هذا المقترح يتمثل في ترشيح الرئيس السابق عبد الله غُل المبتعد عن حزب العدالة والتنمية كمرشح توافقي لتحالف المعارضة، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يعزز فرص فوزه عبر توجيه ضربة لأصوات العدالة والتنمية، إلا أن ذلك يلقى معارضة شديدة من قاعدة حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر غُل شخصية إسلامية بعيدة جداً عن أيديلوجية الحزب وسط مخاوف من خسارة أصوات الحزب الأساسية مقابل كسب بعض أصوات المحافظين، كما أن ذلك يلقى رفضاً من أحد أبرز أقطاب تحالف المعارضة، وهي ميرال أقشنار زعيمة حزب الجيد.
فزعيمة الحزب الجديد الصاعد ترى في نفسها مرشحاً محتملاً للرئاسة التركية، ويقول كتاب ومقربون إنها تسعى لأن تكون المرشح التوافقي لتحالف المعارضة، ولذلك ترفض مقترحات ترشيح غُل، حيث سبق وأن عطلت مخطط تقديم غُل كمرشح توافقي لتحالف المعارضة في انتخابات 2018.
وتلعب أقشنار دوراً محورياً في تحالف المعارضة، في الوقت الذي يحاول فيه تحالف المولاة، الذي يضم العدالة والتنمية وحزبها السابق الحركة القومية، إلى استمالتها مجدداً إلى تحالفهم، لكنها ردت في لقاء تلفزيوني قبل أيام أنها «لو وضع سلاح على رأسها لن تنضم لتحالف الموالاة» في رسالة قال محللون إنها تهدف إلى رفع أصواتها في تحالف المعارضة. ويقول أحد الكتاب: «بقدر ما يفكر كمال كليتشدار أوغلو في ترشيح عبد الله غُل فإنه يفكر في رد فعل أقشنار» التي باتت تتمتع بقدرة على وضع فيتو على أي مرشح، وبالتالي تتضاءل فرص ترشيح غُل بشكل كبير.
هذه التعقيدات تدفع نحو الخيارات التقليدية المشابهة لما جرى في الانتخابات الرئاسية عام 2018، والتي تتمثل في تقديم مرشح تقليدي عن حزب الشعب الجمهوري يمكن أن يكون رئيس بلدية إسطنبول أكرام إمام أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، أو شخصية جديدة، إلى جانب زعماء أحزاب المعارضة الأخرى المشاركة في تحالف الأمة، لتشتيت الأصوات في الجولة الأولى وجر الانتخابات إلى جولة ثانية تتوحد فيها أحزاب المعارضة على المرشح الذي حصل على أعلى نسبة من الأصوات.
اسماعيل كايا / اسطنبول