تشير التطورات المتلاحقة حول جزيرة ميس اليونانية قبالة السواحل التركية إلى سيناريو مشابه إلى حد كبير ما جرى حول جزيرة كارداك» عام 1996 والتي هاجمتها القوات الخاصة التركية لإجبار القوات اليونانية على مغادرتها للحفاظ على وضعها كجزيرة «منزوعة السلاح».
ومنذ أيام، تسربت صور لوصول قوات يونانية مدججة بالأسلحة إلى جزيرة ميس اليونانية التي تقع على بعد 2 كيلومتر فقط من اليابس التركي و580 كيلومتراً من اليابس اليوناني الأساسي، وتؤكد أنقرة أنها منزوعة السلاح بموجب الاتفاقية الدولية، وأن إرسال اليونان قوات إلى هذه الجزيرة يمثل تهديداً للأمن القومي التركي.
هذه الخطوة اليونانية التي وصفتها تركيا بـ«الاستفزازية» جاءت في ظل وصول التوتر بين البلدين في شرق البحر المتوسط إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة وسط تخوفات دولية من حصول اشتباك عسكري بين البلدين، حيث يتصاعد الخلاف حول الحدود البحرية والجرف القاري والمياه الإقليمية للجزر إلى جانب عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة.
الخلاف على تسليح الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية وآخرها جزيرة ميس أعاد إلى الذاكرة بقوة أبرز الصدامات العسكرية التي جرت بين البلدين في بحر إيجه وشرق المتوسط، والتي كان أبرزها العملية العسكرية التركية ضد جزيرة كارداك عام 1996 وسط تكهنات بإمكانية لجوء تركيا إلى عملية مشابهة لإجبار اليونان على سحب قواتها من الجزيرة منزوعة السلاح.
مع نهاية عام 1995 بدأ يتصاعد خلاف بين تركيا واليونان حول جزيرة كارداك التي تبعد عدة أميال فقط عن سواحل منطقة بدروم التركية، فعقب تعطل سفينة نقل تجارية في محيط الجزيرة، نشب خلاف بين قوات خفر السواحل التركية واليونانية حول ما إن كانت المنطقة التي تعطلت بها السفينة تعود لتركيا أو اليونان ومن يحق له تقديم المساعدة للسفينة.
يوم سيطرت القوات الخاصة التركية لساعات على جزيرة في بحر إيجه
وعقب ذلك، قام راهب يوناني وعدد من المواطنين بالوصول للجزيرة ورفع العلم اليوناني وترديد النشيد الوطني، وهي الخطوة التي رد عليها صحافيون أتراك تمكنوا من التسلل للجزيرة ورفع العلم التركي عليها في السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 1996، فما كان من اليونان إلا أن أرسلت قوات مسلحة لتحيط بالجزيرة وتمنع وصول أي أحد إليها. وعقب تصريح لرئيسة الوزراء التركية آنذاك تانسو تشيلر قالت فيه إن «العلم سوف يزال والجنود سوف ينسحبون» ترأست اجتماع أزمة في العاصمة أنقرة وأعطت الأوامر للقوات المسلحة التركية بالاستعداد لـ«الحرب» وأمرت بتنفيذ عملية إنزال عسكري على الجزيرة.
وفي ليلة 32 من يناير/ كانون الثاني عام 1996 نجحت قوات النخبة التركية في القيام بعملية إنزال سرية وتمكنت من التسلل والسيطرة على جانب من الجزيرة ورفعت العلم التركي عليها، وعلى الرغم من أن العملية كانت سرية ولم يحصل خلالها اشتباك مسلح، إلا أن مروحية يونانية سقطت خلال تحركها في المنطقة وقتل ثلاثة طيارين. ومع بزوغ الفجر ووصول خبر السيطرة على الجزيرة من القوات التركية، كادت تشتعل حرب واسعة بين البلدين.
ولتفادي ذلك، بدأت محاولات دولية واسعة لتجنب توسع المواجهة قادها بالدرجة الأولى الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، وعقب ساعات من الاتصالات توصل الجانبان إلى اتفاق ينص على سحب القوات من البلدين وإنزال علمي البلدين بالتزامن من الجزيرة، وهو ما جرى بالفعل في صباح اليوم التالي من العملية.
وزارة الخارجية التركية في بيان لها الأحد، أكدت أن بلادها «لن تسمح لليونان بتحقيق هدفها في الاستفزاز المتمثل بإرسال جنود إلى جزيرة تقع قبالة السواحل التركية مباشرة» مشددة على أن «اتفاقية باريس للسلام المبرمة عام 1947 تنص على نزع السلاح عن جزيرة ميس».
وجاء في البيان: «إن صحت الأنباء التي تناولتها الصحافة، فهذا مؤشر جديد على تجاهل اليونان للقانون وعلى نيتها الحقيقية في شرق المتوسط» مضيفاً: «نؤكد أننا لن نسمح لمثل هذا الاستفزاز قبالة سواحلنا مباشرة أن يحقق هدفه، ولن يعود هذا النوع من التحركات الاستفزازية بالفائدة على اليونان» وهددت الخارجية بالقول: «اليونان ستكون الخاسر إذا استمرت في زيادة التوتر بالمنطقة».
كما هدد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، بالقول: «أثينا تمضي في مغامرة سيدفع ثمنها الشعب اليوناني دون أن يدري، داعياً إياه «للوقوف في وجه الحكومة ومحاسبتها جراء ذلك» مضيفاً: «جزيرة كاش تبعد عن سواحلنا 2 كم، وجزيرة ساكيز تبعد 1 كم عن إزمير، فيما تبعد مئات الكيلومترات عن أثينا» مؤكداً أن «تركيا ترفض هذه الخريطة، وترفض كل من يفكر بها، ومستعدة لتدوسها وقت الضرورة».
وتؤكد تركيا أن تسليح الجزير يشكل تهديداً على أمنها القومي، وتقول إن معاهدة لوزان للسلام «أحدثت وضعاً غير عسكري في جزر بحر إيجه، بعد الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية لتركيا، وهذا الوضع استمر في معاهدة باريس للسلام، عبر الاعتراف الصريح والواضح به، فهذه المعاهدة خلقت وضعاً حيادياً لصالح تركيا».
اسماعيل كايا / اسطنبول