تعيش باريس وخاصة وزارة الدفاع ارتباكا واضحا في التعاطي مع تركيا بعدما تبين لها احتمال فتح أنقرة النار ضد ما تعتبره تجاوزا من طرف سلاح الجو أو البحر الفرنسي في ظل التوتر الذي تشهده منطقة شرق المتوسط على خلفية العثور على كميات من الغاز في البحر. وتوجد أمثلة واضحة تعود إلى الأمس القريب ومنها عدم تردد تركيا في إسقاط الطائرة الروسية سوخوي 24 منذ خمس سنوات عندما خرقت أجواء هذا البلد.
وفي هذا الصدد، كشفت جريدة لوفيغارو، اليوم الأربعاء، نقلا عن مصادر دبلوماسية، كيف تعقبت فرقاطة تركية عن قرب وبإصرار نظيرتها الفرنسية التي تسمى “تورنير” عندما غادرت مياه اليونان متوجهة إلى شواطئ لبنان لتقديم المساعدة بعد الانفجار الذي تعرضت له بيروت. واقتربت الفرقاطة من سفينة تركية تنقب عن النفط وكان الرد التركي بالتعقب والمرافقة.
ولم تعد باريس تعتبر هذا التصرف مفاجئا بل يدخل ضمن التحدي الحاصل بين البلدين في ظل التصعيد بينهما، ومنها التصريحات النارية لرئيس كل بلد، إيمانويل ماكرون وطيب رجب أردوغان، على حدة في اتهام الطرف الآخر بمسؤولية التصعيد. وتوجد سابقة خطيرة خلال يونيو الماضي عندما وضعت فرقاطة تركية نظيرتها الفرنسية في إطار الرادار، أي الإجراء الأخير قبل إطلاق النار. ووقع هذا الحادث عندما حاولت الفرقاطة الفرنسية منع سفينة تركية التوجه إلى ميناء ليبي تحت سيادة حكومة الوفاق.
توجد سابقة خطيرة خلال يونيو الماضي عندما وضعت فرقاطة تركية نظيرتها الفرنسية في إطار الرادار
وبدأت باريس تتأكد من عدم تردد تركيا إطلاق النار إذا اعتبرت قيام أي قطعة حربية فرنسية أو أخرى بتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها أنقرة بشكل واضح في بيانات وتصريحات لمسؤولين وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتوجد أدلة ملموسة على ما يتم وصفه إما بالاندفاع العسكري أو العزيمة العسكرية لدى تركيا في الدفاع عما تعتبره حقوقها. في هذا الصدد، فتحت النار على طائرة سوخوي 24 الروسية خلال نوفمبر 2015 وأسقطتها رغم القوة العسكرية التي تتوفر عليها روسيا وعدم تسامح الرئيس فلادمير بوتين المعروف بالانتقام. في الوقت ذاته، لم تتردد تركيا في نقل قوات عسكرية إلى ليبيا، ووصل الأمر إلى التهديد بفتح النار ضد فرقاطة فرنسية خلال يونيو الماضي ثم تعقب أخرى خلال الأيام الماضية.
والمثير أن الحادث الأخير وقع مباشرة بعدما أعلنت فرنسا تعزيز تواجدها العسكري في شرق البحر المتوسط منذ أسابيع قليلة، وهذا يعني إصرار تركيا على الرد على فرنسا بإجراء عملي وملموس. وبدأت عدد من الأصوات السياسية والخبراء يتساءلون هل تحولت تركيا إلى عدو حقيقي لمصالح فرنسا في البحر الأبيض المتوسط؟ ولا أحد يجد الجواب المناسب، ويكتب برونو ترتير المدير المساعد لمؤسسة الدراسات الاستراتيجية في فرنسا أن أردوغان لم يتحول بعد إلى عدو، ولكن إذا أراد ذلك، فعلى أوروبا القيام بالرد عليه. الإجراءات التركية خلقت ارتباكا لدى وزارة الدفاع الفرنسية في كيفية التعامل مع تركيا.
حسين مجدوبي / لندن