تواصل تركيا منذ يومين إصدار سلسلة بيانات ومواقف متلاحقة للنفي بشكل مطلق اتهامات أرمينيا حول مشاركتها بشكل مباشر إلى جانب أذربيجان في المعارك المتصاعدة في إقليم قره باغ، وتصف هذه الاتهامات بأنها “دعاية سوداء” في مشهد يعطي إشارات واضحة إلى مدى خشية تركيا من التبعات الخطير التي تترتب على إاثبات هكذا اتهام.
وتشير هذه التطورات إلى أن أنقرة ورغم تأكيدها وقوفها الكامل إلى جانب أذربيجان واستعدادها لتقديم “كافة أشكال الدعم”، إلا أنها لا ترغب على الإطلاق في تقديم نفسها على أنها تشارك بشكل مباشر بالقتال إلى جانب أذربيجان لما يحمله ذلك من تبعات ونتائج قد لا تكون في صالح أنقرة وباكو على حد سواء.
لا ترغب أنقرة على الإطلاق في تقديم نفسها على أنها تشارك بشكل مباشر بالقتال إلى جانب أذربيجان لما يحمله ذلك من تبعات ونتائج قد لا تكون في صالح أنقرة وباكو على حد سواء
وبحسب تقديرات سياسية وعسكرية تركية، فإن أذربيجان باتت تتمتع بفعل الدعم التركي غير المباشر والدعم العسكري السابق والاستشارات العسكرية على مدى السنوات الماضية بقدرات تؤهلها للتفوق عسكرياً على أرمينيا في أي مواجهة عسكرية على ألا تتدخل أطراف أخرى لتقديم الدعم لأرمينيا بشكل مباشر.
وتشير التقديرات في تركيا إلى أن أرمينيا ومن خلال إصراها وعملها الدؤوب لإثبات وجود تدخل عسكري تركي مباشر في المعارك تهدف من وراء ذلك إلى الضغط على حلفائها لجرهم من أجل تقديم الدعم العسكري المباشر لها، وهو أمر لا ترغب أنقرة في حصوله على الإطلاق لأنه يحمل في طياته خطر دخول روسيا كطرف مباشر وهو ما لن يكون في صالح أذربيجان وتركيا على الإطلاق لأنه سيؤدي إلى ترجيح موازين القوى لصالح أرمينيا ويجلب خطر المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا أو دول إقليمية أخرى.
وتخشى تركيا أن تلجأ روسيا وإيران إلى تقديم دعم عسكري أوسع أو التدخل المباشر إلى جانب أرمينيا، حيث ترى أن هناك مواقف أولية لا تؤشر لوجود هكذا تدخل وبالتالي لا ترغب في تعزيز فرصه، حيث ما زالت روسيا تدعو الجانبين للحوار، كما نفت الرئاسة الإيرانية أن تكون قد قدمت أسلحة ومعدات عسكرية لأرمينيا، ولفتت إلى أنها تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع باكو وهو موقف تريد أنقرة البناء عليه لضمان افشال جهود أرمينيا في جر داعميها للمعركة.
تهدف أرمينيا من خلال إصراها على وجود تدخل عسكري تركي مباشر في المعارك إلى الضغط على حلفائها لجرهم من أجل تقديم الدعم العسكري المباشر لها، وهو أمر لا ترغب أنقرة في حصوله لأنه يحمل في طياته خطر دخول روسيا كطرف مباشر
ومن جانب آخر يتعلق بالقانون الدولي، لا ترغب أنقرة في أن يتم اعتبارها دولة تنفذ عمليات عسكرية ضد دولة أخرى وترجح مواصلة تقديم الدعم العسكري بشكل غير مباشر إلى أذربيجان التي تتمتع بتفوق قانوني على أرمينيا كونها تنفذ عمليات عسكرية في إقليم قره باغ المحتل من أراضيها وهو ما تدعمه الكثير من القرارات الأممية.
ومنذ بداية العمليات العسكرية بين البلدين يوم السبت الماضي، وجهت أرمينيا اتهامات لتركيا بأنها تقدم الدعم العسكري المباشر لأذربيجان وأنها تشارك من خلال قيادة العمليات وتزج بطائراتها الحربية والمسيرة في العمليات بشكل مباشر، وهو ما نفته أنقرة تباعاً.
والثلاثاء، قالت أرمينيا إن طائرات حربية تركية من طراز إف 16 أسقطت طائرة حربية أرمينية وقتلت قائدها، وخلال دقائق فقط من نشر هذا الاتهام، سارعت تركيا وعبر فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية إلى نفي هذه الأنباء بشكل قاطع، وقال: على أرمينيا أن تنسحب من الأراضي التي تحتلها (في أذربيجان) بأسرع ما يمكن بدلاً من اللجوء إلى مثل هذه الألعاب الدعائية الرخيصة”، كما نفت وزارة الدفاع الأذربيجانية هذه الاتهامات.
وفي أحدث اتهام، أعلنت وزارة الدفاع الأرمنية، الأربعاء، أن حكومة أذربيجان سلمت تركيا قيادة عملياتها الجوية في إقليم قره باغ، وجاء في بيان للوزارة: “مقاتلتين من طراز “إف-16” تنفذان تحليقاتهما انطلاقا من مدينة كردامير، وطائرات هجومية من طراز “سو-25” أذرية، وطائرات مسيرة تركية من طراز “بيرقدار” نفذت منذ الساعة العاشرة من صباح اليوم سلسلة غارات على قرى وبلدات في قره باغ”، وتابع: “تلك الطائرات تتلقى الأوامر من مركز قيادي يعمل عن بعد”، مشيرة إلى أن “المركز في منطقة أرضروم-قارص شرق تركيا، ومن المرجح أن قيادة العمليات تدار من متن طائرة”، وقال أيضاً: “تحليقات وغارات الطائرات المسيرة التركية في المنطقة تدار بواسطة مركز قيادي متواجد قرب حدود مقاطعة هادروت قرب قره باغ”.
والأربعاء أيضاً، نفت وزارة الدفاع التركية ما قالت إنها “مزاعم تقدمت بها حسابات رسمية أرمينية، حول استخدام طائرات مسلحة من دون طيار ومقاتلات تركية ضدها في إقليم قره باغ بأذربيجان”، ووصفت الوزارة في بيان، تلك المزاعم بـ”الدعاية السوداء” التي تهدف أرمينيا من خلالها إلى زيادة الدعم المقدم لها، عبر خلق تصور بأن تركيا تواجهها. وأكدت أن “هذه المزاعم كاذبة ولا تستند إلى أي د ليل”.
وقالت وزارة الدفاع التركية: “أظهرت القوات المسلحة الأذربيجانية للعالم خلال الأيام القليلة الماضية أن لديها القدرة والإمكانية لتحقيق النصر بمفردها، والعزم والتصميم لتحرير أراضيها المحتلة”، واعتبرت أن اتهامات أرمينيا “لم يأخذها أحد على محل الجد سوى داعمي أرمينيا”.
من جهته، نفى أيضاً الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وجود دعم تركي مباشر، عندما قال الأربعاء: “نتلقى رسائل دعم كثيرة من أشقائنا الأتراك، حيث يؤكدون أنهم يريدون القتال بجانبنا في هذه القضية العادلة، أنا أشكرهم على هذه الأمر ولكننا لسنا بحاجة له لأن أذربيجان تمتلك جيشًا قوياً”، وذلك عقب يوم واحد من تأكيده أن تركيا “ليست طرفًا في الصراع مع أرمينيا وإنما توفر الدعم المعنوي فقط لباكو”.
اسماعيل كايا / اسطنبول