في مشهد يختصر حجم التداخل والتعقيد في العلاقات التركية مع روسيا والولايات المتحدة، بدأت أنقرة عمليات الاختبار النهائية على تفعيل منظومة S400 الدفاعيةالروسية على أراضيها، وذلك في الوقت الذي كانت فيه المسيرات التركية التي يستخدمها الجيش الأذربيجاني تدمر منظومة S300 الدفاعية الروسية في المعارك المتواصلة في إقليم قره باغ.
والجمعة، نشرت وسائل إعلام أذربيجانية مشاهد جوية صورتها طائرات يعتقد أنها من طراز “بيرقدار” التركية المسيرة التي يستخدمها الجيش الأذربيجاني بحسب تصريحات سابقة للرئيس إلهام علييف وهي تدمر منظومة S300 الدفاعية الروسية في إقليم قره باغ حيث تتواصل معارك عنيفة جداً بين أذربيجان المدعومة من تركيا وأرمينيا المدعومة من روسيا التي تزودها بمعظم الأسلحة.
وبحسب المصادر الأذربيجانية، فإن هذه المنظومة هي الثانية من هذا الطراز المتقدم التي تدمرها المسيرات التركية، التي تمكنت بحسب مشاهد جوية موثقة من تدمير عشرات المنظومات الدفاعية الأخرى روسية الصنع، بالإضافة إلى مئات المعدات العسكرية من دبابات وعربات ومدرعات ومدافع أغلبها روسية الصنع.
وسبق ذلك أن تمكنت المسيرات التركية من تدمير عشرات المنظومات الدفاعية الروسية وخاصة من طراز “بانتسير” في المعارك التي خاضها الجيش التركي ضد قوات الأسد في إدلب بداية العام الجاري، ولاحقاً المعارك ضد مليشيات خليفة حفتر في ليبيا، وهو ما اعتبر بمثابة ضربة كبرى للصناعات الدفاعية الروسية.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، بدأت تركيا بإجراء الاختبارات النهائية على تفعيل منظومة S400 الدفاعية الروسية التي اشترتها العام الماضي وأجلت تفعيلها أكثر من مرة بسبب المعارضة الأمريكية والأوروبية، قبل أن تبدأ الجمعة بأول اختبار على إطلاق صاروخ من المنظومة لتدمير أهداف جوية في اختبارات تجري بولاية سينوب على البحر الأسود شمال تركيا.
هل استغلت أنقرة الانتخابات الأمريكية لإدخال المنظومة الروسية الخدمة؟
كما تؤكد مصادر تركية وروسية إمكانية البدء بإجراءات بيع موسكو لأنقرة دفعة جديدة من المنظومة الروسية الأحدث وذلك رغم الخلافات المتصاعدة بين البلدين حول ملفات سوريا وليبيا ومؤخراً حول إقليم قره باغ في أذربيجان، في تداخل يصعب من فهم طبيعة العلاقات بين البلدين التي تجمع بين التنافس والتداخل وبين الاتفاق في ملفات والاختلاف في ملفات أخرى تصل حد الصدام العسكري غير المباشر.
ورغم الكم الهائل من التضارب بين المصالح التركية والروسية في سوريا وليبيا وأذربيجان وغيرها من الملفات، تبدي أنقرة إصراراً على تفعيل المنظومة الدفاعية الروسية رغم ما يحمله ذلك من عواقب إخراجها من برنامج صناعة إف 35 وإمكانية فرض عقوبات أمريكية قاسية عليها إلى جانب المشاكل التي ستفجرها مع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي الناتو الذي يرفض التوجه التركي بقوة ويعتبره مضراً بالحلف المعادي لروسيا.
لكن الاعتبارات التركية لا تقف عند حد الخشية من بعض العقوبات الأوروبية أو الأمريكية، وهي تولي أهمية كبيرة هذه المرحلة لصراعها الذي تراه استراتيجياً وحاسماً في شرق البحر المتوسط أمام ما تعتبره محاولة يونانية لابتلاع خيرات شرق المتوسط، ومحاولة غربية بشكل عام لـ”محاصرة تركيا” وحبسها في ساحل ضيق شرق المتوسط رغم كونها تمتلك أحد أكبر السواحل عليه، وبالتالي تجد نفسها بحاجة ماسة إلى منظومة دفاعية تحمي مصالحها هناك أمام صراعها مع قوى داخل الناتو، أو على الأقل امتلاكها منظومة رادعة تحمي عمليات التنقيب التي تواصلها بإصرار شرق المتوسط، بعدما نجحت في تثبيت مزيد من اكتشافات الغاز الطبيعي في البحر الأسود.
ويعتقد أن تركيا رأت في الانتخابات الأمريكية وانشغال الساحة السياسية في واشنطن بالانتخابات فرصة ذهبية لتفعيل المنظومة الروسية عقب تأجيل ذلك عدة مرات، باعتبار أنه في حال نجاح الرئيس دونالد ترمب فإن العقوبات ستكون محدودة وربما يمكن تجاوزها مع رئيس يجيد أردوغان التعامل معه وسيكون أقوى في فترته الثانية، أما في حال نجاح منافسه بايدن فإن المنظومة الروسية لن تكون نقطة الخلاف المحورية مع الرئيس الجديد الذي بادر مبكراً لإعلان مواقفه الحادة ضد تركيا، وهو ما يدفع أنقرة لفرض الأمر الواقع مبكراً مع الرئيس الجديد قبيل وصوله إلى السلطة.
اسماعيل كايا / اسطنبول