وزن الناخب اللاتيني تجاوز لأول مرة صوت الأقلية السوداء
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية انتخابات رئاسية يوم 3 نوفمبر المقبل، وتشّد انتباه العالم برمته أكثر من أي انتخابات سابقة بسبب سياسة الرئيس الحالي دونالد ترامب التي تميزت بإحداث استقطاب حقيقي سواء في العلاقات الخارجية أو الوضع الداخلي من خلال بروز القوميات أو الإثنيات، وبالتالي التساؤل عن توجهاتها الانتخابية بين الحزب الجمهوري والديمقراطي. ووسط كل هذا، يحوز الناخب الأمريكي وزنا كبيرا بل وحاسما.
ويواكب موضوع الإثنيات التاريخ الأمريكي منذ نشأة هذه الدولة بسبب ثنائية الحمر والبيض ثم البيض والسود. ويسجل بين الحين والآخر منعطفات حادة آخرها ما ترتب من انتفاضة حقيقية بعد مقتل الأمريكي من السود جورج فلويد في مينيسوتا خلال أيار/مايو الماضي على يد الشرطة. ويؤدي الحدث إلى التساؤل عن مآل أصوات الأقلية السوداء في الانتخابات الرئاسية الحالية، أي لمن ستصوت؟ وبالموازاة، هناك تركيز قوي على إثنية أخرى وهي اللاتينية، وهم المواطنون الأمريكيون المنتمون إلى أمريكا اللاتينية وأساسا المكسيك. ويأتي الاهتمام بهذه الإثنية لسببين رئيسيين، موقف الرئيس دونالد ترامب من اللاتينيين، ثم وزنها السياسي الآخذ في التعاظم لاسيما بعدما بلغت مرحلة من النضج والوعي السياسي وإمكانياتها الهائلة للتأثير في الانتخابات الرئاسية. والخريطة الإثنية موزعة على الشكل التالي، لأول مرة البيض يشكلون فقط ثلثي الناخبين في الانتخابات الحالية، بينما الأمريكيون السود سيشكلون أقل من 13 في المئة، في حين انتقل اللاتينيون إلى قرابة 14 في المئة متفوقين على السود لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتتقاسم النسبة الباقية إثنيات أخرى مثل الآسيوية.
وأصبح وزن الناخب اللاتيني قويا وحاسما في ولايات تلعب دورا مهما في حسم المسيرة نحو البيت الأبيض أو تعزيز الفوز بهذا الناخب أو ذاك. ويتضح وزن الصوت اللاتيني من خلال استعراض هذه النسبة، إذ يشكل في ولاية كاليفورنيا الأكبر عددا في ساكنة البلاد أكثر من 30 في المئة، ما يعادل ثمانية مليون ناخب، و30 في المئة من المسجلين في ولاية تكساس، ما يعادل 5 مليون و600 ألف، ثم قرابة 24 في المئة في ولاية أريزونا بمليون ومئة ألف صوت، و21 في المئة من أصوات ولاية فلوريدا بـ 3 مليون ومئة ألف ناخب، في حين تصل النسبة إلى 43 في المئة في ولاية نيومكسيكو. وبدأت نسبة الناخب اللاتيني ترتفع في ولايات تعتبر بيضاء مثل داكوتا الشمالية وأوريغون ومؤخرا في كارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية.
ولا يعتبر الصوت اللاتيني في الانتخابات الأمريكية موحدا بشكل مطلق كما يقول مارك هوغو لوبيث، من المعهد الأمريكي لدراسات الهجرة والنمو الديموغرافي، حيث أن “الناخب اللاتيني يميل عادة إلى الديمقراطيين، ويختلف من ولاية إلى أخرى، فإذا كان اللاتيني يصوت في نيويورك وكاليفورنيا وتكساس لصالح الحزب الديمقراطي، ففي ولاية فلوريدا يميل إلى الحزب الجمهوري”. وارتباطا بالنقطة الأخيرة، تعود الأغلبية وسط الصوت اللاتيني في فلوريدا إلى الأمريكيين من أصل كوبي المعادين للنظام الشيوعي، ثم نسبة هامة مؤخرا من أصوات الفنزويليين المناهضة لنظام كاركاس اليساري سواء مع الراحل هوغو تشافيس سابقا أو مع الرئيس الحالي نيكولا مادورو. وتطرأ تغييرات على الصوت اللاتيني الكوبي في فلوريدا، وفي هذا الصدد يشرح إدواردو غامارا من الجامعة الدولية لفلوريدا لـ “سي إن إن”: “هذه المرة ما يقلق الناخب الأمريكي من أصول كوبية في فلوريدا ليس الموقف من النظام الشيوعي الكوبي بل تصريحات ترامب التبخيسية ضد اللاتينيين وهذا سيدفع الكثير منهم إلى التصويت للحزب الديمقراطي”.
وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، صوت 66 في المئة من الناخبين الهسبان أو اللاتينيين للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بينما صوت 28 في المئة منهم لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي فاز بالانتخابات. وكانت أحسن نسبة حصل عليها مرشح جمهوري من أصوات اللاتينيين هو جورج بوش الإبن سنة 2004 عندما حقق 40 في المئة من هذه الأصوات. وقد يحصل المرشح الديمقراطي جو بايدن على أعلى نسبة من أصوات اللاتينيين في الانتخابات قد تتجاوز ما حصل عليه بيل كلينتون في إعادة انتخابه بأكثر من 74 في المئة من أصوات هذه الجالية.
الصوت المقلق
ولا تنظر الدولة الأمريكية العميقة بنظرة الارتياح إلى ارتقاع قوة اللاتينية وخصوصا من أصل مكسيكي بسبب التأثيرات العميقة التي قد يحملها الأمريكي على مستقبل البلاد، ويشكل كتاب “من نحن” للمفكر العسكري-السياسي صامويل هانتنغتون مرجعا لأصحاب القرار في الدولة العميقة، حيث هناك مساعي للحد من ارتفاع قوة هذه الإثنية، ويعد الرئيس الحالي ترامب أحد منفذيها.
ومن باب المقارنة، إذا كان عدد من الدول الأوروبية تتخوف من ارتفاع قوة المهاجرين وأساسا في فرنسا حيث يحذّرون من قوة المغاربيين ويربطونهم بطريقة أو أخرى بالإسلاميين، ففي الولايات المتحدة فإن المغاربيين هم اللاتينيون وبالخصوص المكسيكيين. ويعود التخوف من اللاتينيين إلى عاملين رئيسيين، وهما:
في المقام الأول، الدولة العميقة وجزء هام من البيض وأساسا الميليشيات يعتبرون الولايات المتحدة دولة أنغلوسكسونية بيضاء مع التسامح لوجود أقلية سوداء، والطابع الأنغلوسكسوني يمنحها القوة. وعليه، إذا ارتفعت نسبة اللاتينية إلى ما فوق 20 في المئة من الشعب الأمريكي، فستفقد البلاد هويتها التاريخية، لاسيما وأن اللاتينيين من الجاليات التي لا تندمج، بل تبني كيانات خاصة بها ثقافيا وإعلاميا واجتماعيا. وينبه مفكرون إلى هذا الخطر بحكم أن الكثير من الوظائف في الولايات المتحدة تتطلب ثنائية اللغة الإنكليزية والإسبانية، مما يجعل الأمريكي اللاتيني يحظى بفرصة العمل ويتسلق اجتماعيا مقابل تراجع الأمريكي الأنغلوسكسوني الذي يتحدث لغة واحدة. ويؤكدون أنه في الوقت الذي تحافظ فيه الصين، المنافس الحالي والمستقبلي لواشنطن المتحدة على زعامة العالم، على وحدتها الاجتماعية والإثنية، لا يحدث هذا في الولايات المتحدة التي تتفكك اجتماعيا.
في المقام الثاني، التخوف من المشاكل يتسبب فيها المكسيكيون مستقبلا، إذ يعتبر هذا المفكر أن وجود جالية مكسيكية كبيرة رفقة وجود المكسيك على الحدود مع الولايات المتحدة، وهذه الجالية تؤمن بأن الجنوب الغربي الأمريكي مثل كاليفورنيا هي أراض مكسيكية، يشكل الخطر على وحدة البلاد مستقبلا، ويؤمنون بضرورة التحرك لاستعادة الأراضي التي فقدتها المكسيك إبان القرن التاسع عشر واستولت عليها واشنطن.
الصوت الحاسم
لا يمكن فهم نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ظرف أسبوعين بمعزل عن وزن الصوت اللاتيني في الولايات التي ستكون حاسمة لتعزيز كفة الجمهوري ترامب أو الديمقراطي بايدن، وهي ولاية مشيغان ثم ويسكونسين وفلوريدا وبنسيلفانيا وكارولينا الشمالية وأريزونا. وتشير عشرات استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا ونشرتها صفحة “ريال كلير بولتيك” حول نتائج الانتخابات الرئاسية أن الفارق هو ما بين 6 إلى 12 نقطة لصالح الديمقراطي بايدن. وهذا الفارق سيجعل من الصعب تكرار سيناريو 2016 عندما فازت هيلاري كلينتون بأغلبية الأصوات على المستوى الأمريكي ولكنها فشلت على مستوى كبار الناخبين لكل ولاية، ولو أن هامش الخطأ هو 4 في المئة وفق بعض استطلاعات الرأي. هذه المرة، سيضمن الحزب الديمقراطي أصوات الناخبين على المستوى الوطني وعلى مستوى الناخبين الكبار، وسيكون دور الناخب اللاتيني حاسما في هذا الشأن. ومن ضمن تعاليق الناخبين اللاتينيين “اللاتيني الغاضب من سخرية ترامب سيطرده من البيت الأبيض”.
د. حسين مجدوبي