تترقب البنوك والبورصات والأسواق والمستثمرين على نطاق واسع القرار المتوقع للبنك المركزي التركي حول رفع أسعار الفائدة وذلك في أول اجتماع للبنك، المقرر الجمعة، برئاسة الرئيس الجديد ناجي إقبال فيما يعتبر بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والتي يأتي على رأسها منح البنك المركزي استقلاليته والسماح برفع نسب الفائدة على عكس قناعاته التي تؤكد على ضرورة خفضها إلى خانة الأحاد.
وبداية الشهر الجاري، أقال الرئيس التركي رئيس البنك المركزي مراد أويصال وعين مكانه ناجي إغبال الذي كان يشتغل منصب رئيس إدارة الاستراتيجية والموازنة في الرئاسة التركية، حيث لاقى تعيينه ترحيباً وارتياحاً في الأسواق ما ساهم في تعزيز الثقة مجدداً بالاقتصاد التركي، وسط تأكيدات على أن الرئيس الجديد سيعزز استقلالية البنك المركزي خلال الفترة المقبلة.
وفي أول اختبار لسياسات الرئيس الجديد للبنك المركزي، ولتوجهات الرئيس التركي المتعلقة بالقيام بإصلاحات اقتصادية حقيقية كما يؤكد على ذلك بشكل يومي في الآونة الأخيرة، تتطلع الأسواق والمستثمرون إلى قرار كبير وجريء برفع نسبة الفائدة في الاجتماع الأول للبنك برئاسة ناجي اغبال والمقرر يوم الجمعة المقبل.
وتشير توقعات كافة المختصين والاستطلاعات التي قامت بها كبرى الهيئات الاقتصادية مع الخبراء إلى أن الرئيس الجديد للبنك المركزي سوف يلجأ إلى رفع نسبة الفائدة في الاجتماع الأول له وذلك من أجل تعزيز الثقة بينه وبين الأسواق وإعطاء دفعة جديدة لليرة التركية التي انتعشت بشكل غير مسبوق واستعادة قرابة 11٪ من قيمتها فوراً عقب قراري تغيير رئيس البنك المركزي ووزير الخزانة والمالية بالإضافة إلى وعود أردوغان بالإصلاح الاقتصادي.
ومن شأن أن يعطي قرار البنك المركزي برفع نسبة الفائدة دفعة قوية للأسواق ويؤدي إلى مزيد من التحسن في قيمة الليرة التركية التي تراجعت بداية الشهر الجاري إلى أسوأ مستوى تاريخي لها على الإطلاق عند 8.5 قبل أن تتحسن وترتفع إلى 7.7 مقابل الدولار، فيما يتوقع أن تتحسن أكثر لتصل إلى قرابة 7.3 في حال رفع البنك المركزي نسبة الفائدة في الاجتماع المقبل.
ويتوقع اقتصاديون أن يلجأ البنك المركزي إلى رفع قيمة الفائدة التي تبلغ حالياً 10.25 بواقع 4.75 لتصل إلى 15٪، ويشير استطلاع لوكالة بلومبرغ الاقتصادية شارك به 20 من كبار الاقتصادين إلى أن الحد الأدنى للتوقعات حول رفع نسبة الفائدة هو 2٪ فيما يصل الحد الأعلى إلى 5.5٪، كما توقع استطلاع رويترز أن يتم رفع نسبة الفائدة إلى 15٪.
ويعارض أردوغان الذي يصف نفسه بانه “عدو الفائدة” رفع أسعار الفائدة بشكل عام، وبعد أن وصل سعر الفائدة في تركيا إلى 25٪ تمكن من خلال تغيير رئيس البنك المركزي والضغط عليها في السابق من خفض هذه النسبة إلى أقل من 10٪، لكن وبسبب الصعوبات الاقتصادية وحاجة الأسواق للثقة بالرئيس الجديد للبنك المركزي ووعود أردوغان بالقيام بإصلاحات اقتصادية يتوقع أن يتساهل أردوغان مجدداً في رفع نسبة الفائدة.
لكن أردوغان أطلق تصريحات وصفت بـ”الصادمة” من قبل بعض الاقتصاديين، الأربعاء، عندما جدد موقفه الرافض لرفع أسعار الفائدة بشكل غير مباشر، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول ما إن كانت هذه التصريحات تقليدية، أم انها كانت بمثابة تحذير علني لرئيس البنك المركزي الجديد بضرورة عدم اللجوء لرفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، الجمعة.
وشدد أردوغان في الاجتماع التشاوري لاتحاد الغرف والبورصات التركية بالعاصمة أنقرة على وجوب “عدم ترك المستثمرين يُسحقون تحت وطأة الفائدة المرتفعة”، موجهاً دعوة لجميع المستثمرين، للاستثمار في كافة المجالات والقطاعات ببلاده، وقال: “لم نهمل الاستثمار والاقتصاد حتى في غمرة تركيزنا على النضال الرامي للحفاظ على استقلالنا ومستقبلنا بمواجهة الهجمات التي نتعرض لها وعلنا التركيز أكثر على الإنتاج والاستثمار والتوظيف والتصدير في المرحلة الجديدة التي بدأناها وسنواصل الحفاظ على الانضباط المالي”.
وفي أول تصريحات له، أكد الرئيس الجديد للبنك المركزي عزمه على مواصلة استخدام جميع أدوات السياسة النقدية تماشيا مع الهدف الرئيسي لاستقرار الأسعار. وقال: “إن الأهداف الرئيسية للبنك المركزي هي ضمان والحفاظ على استقرار الأسعار، وتماشيا مع الهدف الرئيسي سنستخدم جميع أدوات السياسة بشكل حاسم”، مضيفاً: “سيتم تعزيز الاتصال في السياسة النقدية في إطار مبادئ الشفافية والمساءلة والقدرة على التنبؤ”.
وعقب يوم واحد من تغيير رئيس البنك المركزي، قدم وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق استقالته، وعين أردوغان مكانه لطفي علوان، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في السابق كما شغل مناصب كوزير للتنمية والمواصلات في السابق ورئيس للجنة الميزانية في البرلمان التركي، ويحظى بثقة كبيرة في الأسواق.
والثلاثاء، قال وزير المالية الجديد إنه يعمل على خارطة طريق تتمثل في “استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي واستقرار الأسعار”، مضيفاً: “نريد أن تكون تركيا مركز جذب للمستثمرين وسنتخذ ما يلزم في هذا الخصوص”، كما أكد على استقلالية البنك المركزي وفق القانون.
وفور تسلمه مهامه، وعد الوزير بتنفيذ تغييرات تتماشى مع رغبات السوق وتحسين بيئة الاستثمار أمام المستثمرين الدوليين والمحليين مع استخدام كل الأدوات للتصدي للتضخم، إلا أن عودة الإغلاق التدريجي في تركيا بسبب الذروة الثانية في انتشار فيروس كورونا، زادت الخشية من عودة الآثار السلبية للإغلاق على الاقتصاد الذي لم يتعاف بعد من آثار الإغلاق الأول.
وأعادت التصريحات والقرارات الأخيرة الثقة بقوة إلى الأسواق والمستثمرين وذلك بعد سنوات من التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو حيث تأثر الاقتصاد التركي بمجموعة من المتغيرات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية قبل أن يتعرض لهزة كبيرة بفعل الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا الذي أثر على الاقتصاد التركي على غرار معظم دول العالم، إلا أن الكثير من الاقتصاديين يرون أداء البنك المركزي خلال الفترة المقبلة هو المعيار الحقيقي للتأكد من وجود نية حقيقية للإصلاح في تركيا.
اسماعيل كايا / اسطنبول