من أجل فرض عقوبات على تركيا، يتوجب موافقة كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم يحصل عليه اجماع حتى الآن لأسباب مختلفة منها سياسية وأمنية واقتصادية.
تصاعدت التصريحات والتهديدات الأوروبية المتوعدة بفرض عقوبات على تركيا في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة وذلك قبيل أيام فقط من الموعد المقرر للقمة في العاشر من الشهر الجاري، إلا أن استمرار الانقسام داخل الاتحاد ووجود دول تعارض فرض العقوبات يمكن أن يفشل مجدداً مساعي “معسكر العقوبات” الذي تقوده فرنسا واليونان بالدرجة الأولى.
ورغم تصاعد الضغوطات الفرنسية واليونانية والقبرصية بضرورة فرض عقوبات “مؤثرة” على تركيا في القمة المقبلة، وتزايد الغضب قيادة البرلمان والاتحاد الأوروبي على حد سواء، إلا أن مصادر مختلفة تؤكد أن عددا من الدول ما زالت ترفض فرض عقوبات على تركيا لأسباب مختلفة، ويأتي على رأس هذه الدول ألمانيا التي تخشى ابتعاد تركيا بشكل أكبر عن الاتحاد والدخول في حالة صدام مع أنقرة قد تفجر خلافات كبيرة تتعلق بالتعاون في ملفات الأمن والهجرة والاقتصاد وغيرها.
وفي محاولة لتهدئة الأجواء قبيل أيام من القمة، أعلنت تركيا سحب سفينة أوروتش رئيس من شرق المتوسط وأوقفت الإعلان عن عمليات تنقيب أو مناورات جديدة، كما أطلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تصريحات وصفت بـ”التصالحية” تجاه الاتحاد قال فيها إن تركيا موقعها كان وسيبقى في أوروبا.
إلا أن هذا الخطاب لم يصمد كثيراً بعد أن وجه المسؤولون الاتراك انتقادات حادة لدول أوروبية على خلفية إيقاف وتفتيش سفينة شحن تركية كانت في طريقها إلى ليبيا، قبل أن يعاود اردوغان هجومه الحاد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معبراً عن أمله في أن تتخلف فرنسا قريباً “من بلائه”.
وقال اردوغان في تصريحات صحافية، الجمعة: “ماكرون مشكلة بالنسبة لفرنسا. مع ماكرون، تعيش فرنسا فترة خطرة جداً. آمل أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أقرب وقت ممكن” مضيفاً: “بخلاف ذلك، لن يتمكن (الفرنسيون) من الانتهاء من (حركة) السترات الصفراء التي يمكن أن تصبح السترات الحمراء” في إشارة إلى حركة الاحتجاج التي اندلعت أواخر العام 2018 في فرنسا.
والجمعة، ندّد الاتحاد الأوروبي بـ”أفعال (تركيا) الأحادية وخطابها المعادي” وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في مؤتمر صحافي “قمنا بمد يدنا إلى تركيا في تشرين الأول/أكتوبر. منذ ذلك الوقت لم تكن الأمور إيجابية كثيراً. لقد رأينا أن هناك أفعالاً أحادية وخطاباً معادياً” وأضاف: “أعتقد أن لعبة القط والفأر يجب أن تنتهي” في إشارة إلى سحب تركيا لسفن التنقيب قبيل القم الأوروبية وإعادتها لاحقاً لشرق المتوسط.
وتابع رئيس المجلس الأوروبي: “سنجري نقاشا خلال القمة الأوروبية في 10 كانون الأول/ديسمبر ونحن على استعداد لاستخدام السبل المتاحة لنا عندما نستنتج أن ليس هناك تطوّر إيجابي” دون الحديث بشكل صريح عن إمكانية فرض عقوبات وذلك في ظل استمرار الانقسام داخل دول الاتحاد.
في السياق ذاته، أوضح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن “نظام العقوبات، هو مسألة تعود إلى الدول الأعضاء. سنرى ما يمكننا أن نفعل خلال الاجتماع المقبل للاتحاد الأوروبي. لا يمكنني أن أستبق نتيجة النقاش، أنا لا أقوم سوى بتحضيره واقتراح بدائل”.
وقبل أيام، حث البرلمان الأوروبي الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطة التنقيب وزيارة اردوغان الشهر الماضي إلى شمال قبرص، ووافق البرلمان الأوروبي، بتأييد 631 صوتا مقابل معارضة ثلاثة وامتناع 59 عن التصويت، على قرار غير ملزم يدعم طلب قبرص العضو في الاتحاد، الذي يحث قادة التكتل على “اتخاذ إجراء وفرض عقوبات صارمة ردا على أفعال تركيا غير القانونية” كما لوح وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان لتركيا بالعقوبات، قائلاً: “تركيا تعلم ما ينبغي أن تفعله… المواجهة أو التعاون، الأمر يرجع لهم”.
وكان الاتحاد الأوروبي وجه رسالة إلى تركيا في قمته السابقة تشرين الأول/أكتوبر الماضي مفادها أنه في حال لم توقف تركيا عمليات التنقيب في شرق المتوسط فسيتم تقييم فرض عقوبات عليها في القمة المقبلة، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أروسولا فون دير لايين: “إذا واصلت أنقرة أفعالها غير القانونية، فسنستخدم كل الوسائل المتاحة لنا”، مشيرة إلى تكليف المفوضية بتطوير لائحة عقوبات اقتصادية جاهزة للتطبيق.
لكن ومن أجل فرض عقوبات على تركيا، يتوجب موافقة كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم يحصل عليه اجماع حتى الآن وذلك في ظل عدد من الدول هذا الخيار لأسباب مختلفة منها سياسية وأمنية واقتصادية، فبينما تخشى دول جوار تركيا وخاصة بلغاريا تفجر أزمة اللاجئين مجدداً، تخشى إسبانيا حصول أزمة اقتصادية في تركيا تؤثر على قطاعها البنكي المتشابك جدا بالاقتصاد التركي، في حين تخشى دول أخرى حصول تراجع في التعاون الأمني والاستخباري مع تركيا حول محاربة الإرهاب، كما تتصدر ألمانيا الدول المعارضة لفرض العقوبات لرغبتها في الإبقاء على تركيا في المعسكر الغربي وعدم دفعها للاتجاه أكثر نحو روسيا.
اسماعيل كايا / اسطنبول