لم تقتصر فرحة المصالحة وتأسيس التعاون من جديد بين الدول الخليجية على الشعوب فحسب، بل إنها طالت دول المنطقة أيضًا. فقد نشرت وزارة الخارجية التركية بيانًا في هذا الصدد، جاء فيه: «نرحب بإظهار الإرادة المشتركة لحل النزاع الخليجي، وإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية مع قطر، في نهاية الدورة الحادية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي، الذي عقد (اليوم) في العلا في المملكة العربية السعودية».
عبّر البيان عن أمل تركيا في أن «يؤدي إعلان العلا الذي تم توقيعه في نهاية القمة بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، إلى حل نهائي للصراع» مضيفًا: «كما أكدنا في مناسبات عدة، تولي تركيا أهمية كبيرة لوحدة وتضامن مجلس التعاون الخليجي. بالتزامن مع استعادة الثقة بين دول الخليج، نعلن عن استعدادنا لبذل الجهود من أجل تعزيز تعاوننا المؤسسي، مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تعد تركيا شريكة استراتيجية له».
لا شك بأن هذه الخطوة التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل التغيرات الكبيرة، والمشاكل الكثيرة عالميًا، قد تساهم في إعادة إحياء المجلس من جديد، وهي خطوة شجاعة وتستحق التقدير، تجاه هذا التكتل الذي كان مجمدًا منذ عام 2017، وواجه خطر الانقسام جراء الخلافات. وهنا، لا يمكن إنكار حقيقة الجهود التي بذلتها الكويت لضمان وحدة الصف الخليجي، ومنع التصدع الذي كان يزداد طيلة 3 سنوات. أمّا قطر، التي تعرضت لحصار قاس جدًا لمدة 3 سنوات، فإن صبرها وحكمتها في التعامل مع هذا الوضع، هو موقفٌ يبعث على الاحترام. وتجلت هذه الحكمة بشكل صريح في خطاب أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي قال فيه: «استشعارا بالمسؤولية التاريخية في هذه اللحظة الفارقة من مسيرة مجلس التعاون، وتلبية لآمالِ شعوبنا، شاركت إلى جانب الأشقاء في قمة العلا لرأب الصدع وكلنا أمل بمستقبل أفضل للمنطقة».
تحرص تركيا على عدم قطع العلاقات بطريقة فورية مع البلدان الأخرى بسبب نشوب الخلافات، ما لم يقم الطرف الآخر بقطعها
الاتفاقية الخليجية ليست الأولى على مستوى العالم، فهناك اتفاقيات مماثلة شاهدناها في الفترة الأخيرة، لأن الدول كافة أصبحت تصارع العديد من المشاكل والتحديات، مثل وباء كورونا والجفاف والأزمات الاقتصادية، وقلة المواد الغذائية والمياه، وهو ما يدفعها للحد من الأزمات السياسية والبحث عن الحلول. وفي هذا الإطار، تعمل تركيا على مراجعة علاقاتها مع الدول التي حدثت معها توترات ومشاكل في الفترة الماضية. في الواقع، تحرص تركيا على عدم قطع العلاقات بطريقة فورية مع البلدان الأخرى بسبب نشوب الخلافات، ما لم يقم الطرف الآخر بقطعها، وحتى إن قطعتها من الناحية السياسية في بعض الأحيان، فإنها تؤيد مواصلة العلاقات على الجانب الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، لم يؤد احتلال شبه جزيرة القرم إلى انقطاع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، كما أنها لم تقطع علاقاتها مع دول أخرى مثل اليونان وفرنسا، حتى في ظل النزاعات والأزمات الأكثر خطورة.
يجب على دول مجلس التعاون الخليجي، أن تستخلص درسا كبيرا من الأزمة التي شهدتها المنطقة لمدة ثلاث سنوات، وأن تتخذ أشد التدابير للحيلولة دون حدوث مثل هذه الأزمات بين البلدان الشقيقة في الفترة المقبلة، فالجميع بات يدرك حجم الأضرار التي ألحقتها الأزمة الخليجية بأعضاء المجلس والمنطقة على حد سواء. أمّا الرابحان الوحيدان من ذلك، فهما بلا شك: الولايات المتحدة وإسرائيل. يتعين على الجميع التحلي باليقظة وتوخي الحذر كيلا تندلع أزمات مشابهة لاحقًا. تولي تركيا منذ السابق أهمية كبيرة لعلاقاتها مع دول الخليج، وكان هناك سببان مهمان وراء زيادة أهمية الخليج بالنسبة إلى الجانب التركي، يتمثل أولهما في وقوع «الثورة الإسلامية» في إيران عام 1979، والثاني يتعلق باندلاع الحرب الإيرانية -العراقية عام 1980 التي استمرت 8 سنوات. في خضم هذه التطورات، وتحديدًا عام 1981، تأسس مجلس التعاون الخليجي، وبدأت علاقات تركيا مع الخليج إبان هذه الفترة أيضًا، لكنها كانت ذات نطاق محدود. أمّا مرحلة تأسيس التحالفات القوية، التي أدت إلى توقيع الاتفاقيات الكبيرة في جميع المجالات مع الخليج، فإنها بدأت مع بداية الألفية الثالثة.
خلاصة الكلام، نأمل أن تهب رياح السلام التي عادت إلى الخليج من جديد، على شعوب المنطقة كافة. يجب أن يكون هناك توجه مشترك وإنتاج حلول ملموسة حيال ما يجري في اليمن وليبيا وسوريا وفلسطين لأن الجميع يعلم أن الأزمات السياسية إذا استمرت بدون حل فإن المشاكل التي تنتظر العالم في السنوات المقبلة ستحوّل المنطقة إلى حلقة من نار. كما يجب على تركيا والدول الخليجية أن تتخذ خطوات عاجلة في كثير من القضايا، لترسيخ إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وإلا فإن أي تأخير سيؤثر في الجميع بلا استثناء.
توران قشلاقجي ، كاتب تركي