تضغط تركيا بقوة لتعزيز التعاون السياسي في المجلس التركي خلال المرحلة المقبلة، وصولاً لإمكانية بناء تحالف سياسي وعسكري بين الدول الأعضاء.
يسعى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بقوة لتعزيز وتوسيع التعاون بين الدول الناطقة باللغة التركية في إطار ما يعرف بـ»المجلس التركي» وصولاً إلى تحويله إلى تحالف سياسي واقتصادي وربما عسكري في مرحلة متقدمة ومنحه صفة «منظمة دولية».
ويستند الرئيس التركي في مسعاه هذا على أرضية خصبة تجمع شعوب الدول الناطقة بالتركية من حيث اللغة والقرب الجغرافي وصولاً للروابط العرقية والتاريخية بين شعوب هذه البلدان في إطار مساعيه لتعزيز مكانة تركيا ونفوذها الذي تنامى مؤخراً في آسيا الوسطى والقوقاز لا سيما عقب تقديم الدعم العسكري لأذربيجان في حربها ضد الجيش الأرميني في إقليم قره باغ نهاية العام الماضي والتي انتهت بانتصار أذربيجان عقب طردها القوات الأرمينية من الإقليم.
وعلى الرغم من أن المجلس ركز في السنوات الماضية على تعزيز الروابط المختلفة بين شعوب الدول الأعضاء، إلا أنه يركز في الأشهر الأخيرة على مساعي تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وربط طرق التجارة الدولية التي تمر من أراضيها، في حين تضغط تركيا بقوة لتعزيز التعاون السياسي خلال المرحلة المقبلة، وصولاً لإمكانية بناء تحالف سياسي وعسكري بين الدول الأعضاء.
تعود بدايات تأسيس «المجلس التركي» إلى القمة التاسعة لزعماء البلدان الناطقة باللغة التركية، التي احتضنتها مدينة نخجوان الأذرية عام 2009 قبل أن يعلن رسمياً عن تأسيس المجلس نهاية عام 2010 خلال قمة عقدت في إسطنبول، حيث ضم دول تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، إضافة إلى المجر بصفة مراقب، إلى جانب ذلك يشارك في فعاليات وقمم المجلس التركي أوزباكستان وتركمانستان. ويوجد للمجلس أمانة عامة مقرها مدينة إسطنبول التركية.
وبحسب أهداف المجلس المعلنة، فإنه يهدف إلى تأسيس وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا السياسة الخارجية، والاقتصاد، والمواصلات، والجمارك، والسياحة، والتعليم، والإعلام، والرياضة والشباب، إلى جانب تعميق العلاقات بين الدول الناطقة بالتركية، وتوسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وبين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الأوراسية، وترسيخ السلام والاستقرار فيها.
وخلال السنوات العشر الماضية من عمر المجلس، عقدت عشرات القمم على مستوى الزعماء ووزراء الخارجية والوزارات المختلفة ووقعت عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين وزارات البلدان الأعضاء ومؤسساتها المعنية، بهدف تعزيز التعاون بينها، كما تم في عام 2019 تأسيس غرفة التجارة والصناعة لمجلس تعاون البلدان الناطقة باللغة التركية، فيما يستمرّ العمل على تأسيس «صندوق الاستثمار المشترك».
والأربعاء، عقدت قمة -غير رسمية- لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية «المجلس التركي» عبر تقنية الفيديو، برئاسة الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، وبمشاركة رؤساء تركيا رجب طيب اردوغان، وأذربيجان إلهام علييف، وقرغيزيا صدر جباروف، وأوزبكستان شوكت ميرضيايف، وتركمانستان قربان قولي بردي محمدوف، ورئيس وزراء المجر فيكتور أورب ان، والأمين العام للمجلس التركي بغداد أمرييف، والرئيس الفخري للمجلس ورئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف.
الرئيس التركي وفي كلمته بالقمة، اعتبر أن الوقت قد حان لإطلاق صفة «منظمة دولية» على المجلس، لافتاً إلى أن «التغيرات التي تواجه العالم تزيد من أهمية كيانات التعاون مثل المجلس التركي» وعبر عن أمله في اتخاذ خطوة بهذا الاتجاه في القمة العادية المقبلة للمجلس المقرر انعقادها في إسطنبول 12 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وأعرب اردوغان عن أمله في أن تنضم تركمانستان عضوا مراقبا أولا للمجلس التركي ثم عضوا كاملا لتعزيز قوة المجلس، لافتاً إلى أن «تطوير إمكانيات النقل والمواصلات المشتركة في العالم التركي يحظى بأهمية كبيرة» وقال: «توفير اتصال غير منقطع وبدون عوائق بأوروبا عبر بحر قزوين سيزيد من القيمة الاستراتيجية والازدهار لبلدان المجلس.. يجب تسريع الأعمال التي يتم القيام بها في هذا المجال داخل المجلس. من المفيد تسريع المفاوضات لتتكلل اتفاقية نقل البضائع الدولية المشتركة بنتائج ملموسة».
من جهته، اقترح الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرضيايف، إنشاء «بنك التنمية وصندوق الاستثمار» من قبل دول أعضاء المجلس، كما شدد على ضرورة «استغلال قدرات البلدان أعضاء المجلس في مواجهة المصاعب، وتطوير قدرات النقل والترانسيت بين دول المجلس». في حين اقترح رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة بين البلدان الأعضاء في المجلس، معتبراً أن «العالم التركي يهدف للتحوّل إلى قوة اقتصادية وإنسانية هامة في القرن الـ 21».
وقال رئيس تركمانستان، قربان قولي بردي محمدوف، إن بلاده تهدف لتعزيز تعاونها مع بلدان المجلس على كافة الأصعدة، في حين اقترح الرئيس القرغيزي صدر جباروف، تغيير اسم المجلس إلى «منظمة الدول التركية» معتبراً أن ذلك «سيكون له تأثير إيجابي في تعزيز مكانة المنظمة في الساحة الدولية، وسيشجع على توسيع إطار فعاليات المنظمة، وسيتيح المجال أمام البلدان الأخرى في الانضمام لها، أو أخذ دور المراقب فيها» كما دعم فكرة إنشاء صندوق استثمار العالم التركي واتخاذ تدابير لتعزيز التعاون في مجال النقل والاتصالات بين دوله وكذلك لتحسين التبادل التجاري.
وأضاف رئيس تركمانستان: «إنجاز مشاريع سكك حديدية جديدة في أراضي الدول الأعضاء في المجلس التركي، بما في ذلك تنفيذ مشروع سكك حديدية جديد يربط قيرغيزيا بأوزبكستان ومن ثم الصين له أهمية بالغة» معتبراً أن «قوة العالم التركي تكمن في روحه وثقافته وتراثه الغني».
وأكدت الدول الأعضاء المشاركة في القمة في بيانها الختامي عزمها على تعزيز ودعم قيم ومصالح «العالم التركي» وزيادة التعريف بالمجلس إقليميا ودوليا، وجدد الزعماء عزمهم تحديد رؤية وأهداف بعيدة المدى وصياغة توجه استراتيجي، من أجل تعاون أوثق وتضامن أكبر بين الدول الأعضاء. وأوصت القمة بإعداد وثائق «رؤية عام 2040» و»الاستراتيجية الخمسية 2020 ـ 2025».
اسماعيل كايا / اسطنبول