بعد الإطاحة بحكم بوتفليقة للجزائر ، واعتقال من كانوا يتحكمون في دوالب الدولة الجزائرية بفعل الحراك الشعبي ، و مشاهدتي لهم أذلاء بالمحاكم ، يدفعون ثمن ظلمهم لشعبهم ، و انتقام الله على اعتداءهم على المغرب ، قلتفي قرارة نفسي :” وأخيرا جاء الفرج، وستتخلى الجزائر الجديدة عن عقيدتها العدوانية القديمة ، وستهتم بتنمية وازدهار مقدراتها و شعبها ، لينعكس ذلك على المنطقة ، وستتخلى تدريجيا طبعا عن عقيدة العداء للمغرب ومحاولة إلحاق الضرر به، وتضع يدها في يده لبناء مستقبل أفضل بما يخدم شعوب المنطقة “.
وازداد تفائلي ، وأنا أشاهد تبون الذي لم أكن أعرفه ، يترشح للرئاسة و يصف من كانوا في سدة الحكم من الجناح العسكري السابق الذي كان مسيطرا على دواليب الحكم بالعصابة ، ويتوعدهم بالعقاب ، ويعد الشعب باسترجاع أموال الجزائر المنهوبة، ويمجد الحراك الشعبي ، فقلت مع قرارة نفسي وأنا أرى شيب رأسه و تقدمه في العمر :” ربما هذا هو الرئيس الخبرة الذي تحتاجه الجزائر لينقذها ، ويضعها على السكة الصحيحة لتندمج في محيطها، و تنبذ سياسة الكراهية والعداء المجاني ، الذي تكنه للمغرب بسياسة الأخوة وحسن الجوار بما فيه الخير للجميع “، بالرغم مماقيل عن تزوير الإنتخابات، وتعيين عبد المجيد تبون من طرف العسكر بديلا عن بوتفليقة ، لأنني كنت متفائلا ، و يغلب علي منطق يقول :” ربما لم يبقى للرجل في الحياة الشيء الكثير،و لا بد أن يقضي ما تبقى منه في خدمة شعبه و بلاده ” ، إلى أن صدمت بعدها سمعته يتنطع ، لما أصبح رئيسا، ويطالب بكل وقاحة من المغرب الإعتذار للجزائر ، بسبب فرضه الفيزا على الجزائريين بعد اعتداءات أطلس أسني الإرهابية بمراكش سنة 1994، متجاهلا تورط ومشاركة جنسيات جزائرية في تنفيذ هذا العمل الإرهابي ، الذي أريد من خلال استهداف القطاع السياحي بالمغرب .
قلت :” جعل تبون الإعتذار شرطا أساسيا لفتح الحدود مع المغرب، الحدود التي كره الجزائريون فيها المغاربة بنظامهم ،وأصبح المغاربة ينظرون إليهم كيأجوج ومأ جوج ويتمنون لو بعث ذو القرنين من جديد ، و قام ببناء سد بين المغرب والجزائر من النحاس والحديد، جراء تعنت الجزائريين وظنهم أننا نتمنى رؤية وجوههم التي تعتريها كل صفات الكراهية و الحقد بالمغرب “.
لقد جعلتني تصريحات تبون أستخف بتفاؤلي السابق ، و قلت :” أي رئيس هذا الذي جاءت به الجزائرالجديدة ، وقد عايش ظلم المغاربة بالجزائر، وكيف هجروا ونهبت أموالهم وسرقت ممتلكاتهم، وشتت شملهم دون ذنب ، واقتادتهم الشاحنات العسكرية لإلقائهم في الحدود صبيحة عيد الأضحى من قبل من يدعون الإسلام ونصرة فلسطين ، ويعلم يقينا أنه لو وجب على أحد أن يعتذر للآخر حقا ،فإن الجزائر مدينة للمغرب بستين سنة من الاعتذار ، لأنها من تعتدي على المغرب منذ نشأتها بمرسوم فرنسي ؟” .
لقد دفعتني تصريحات تبون المستفزة للبحث عن أسباب وضع العسكر له في سدة الحكم و عن سيرته التي تفاجئت برائحتها النتنة، لأن الرئيس مجيدو الذي استبشرت بمجيئه خيرا، ليس كما ظننت، فقد وجدته تربى وترعرع في أحضان الفاسدين القابعين في السجون الجزائرية حتى اليوم ، ممن نهبوا ثروات بلادهم ، و كان شريكا لهم في الفساد ، منفذا لسياستهم ، وتفهمت كم خدعني تقدمه في العمر وشيبة رأسه ، وأن اتهامه لزملائه القدامى بالعصابة ،وتبرأه منهم، ومجاملته للحراك الذي وصفه بالمبارك ، ووعوده الزائفة للشعب، ماهي إلا شكليات وأقنعة يرتديها هذا الرجل الهرم الذي لا يحترم نفسه ، لكسب تعاطف الشعب ، و ثقة ورضى أسياده الجدد من العسكر الذين انقلبوا على الحكام القدامى ، وعينوه رئيسا في الواجهة ليحققوا به مآربهم ، لأن تبون من نوعية الرجال الذين يدينون بالولاء لمن هو في السلطة ، وإذا أزيح فسيبيعونه بسهولة لمن حل محله ، واكتشفت كذلك أن تبون تولى عدة وزارات في عهد من يسميهم بالعصابة ، و اتهم بنهب أموال وزارة الإسكان بعدما أمر بتحويلها كلها، وتحويل أموال المؤسسات العمومية التابعة لها من بنك الدولة الآمن ، الذي كانت مودوعة فيه ، شأنها شأن أموال كل الوزارات والمؤسسات العمومية، ليودعها ببنك صديقه الجزائري النصاب المدعو خليفة، الذي قيل أنه أعطى تبون عمولة كبيرة جزاءا له على تمكينه من أموال وزارته ، وبعد ذلك هرب خليفة الأموال و فر إلى خارج البلاد ، ثم أعلن بعد ذلك عن إفلاس البنك ، وضاعت ملايير وزارة الإسكان والمؤسسات التابعة لتبون ، بفضل سياسته الرشيدة طبعا ، وبعد فتح تحقيق معه، ثبتت مسؤوليته، فاكتفى أصدقاءه( العصابة ) بإقالته من منصبه ، من على رأس وزارة الإسكان الجزائرية ، بعد ما عز عليهم رميه في السجن، مثل ما فعلوا مع صديقه خليفة صاحب البنك ، الذي سرق ما يفوق مليار دولار من أموال الجزائريين، والذي اعتقله إنجلترا وسلمته للجزائر، وحكم عليه ب 18 سنة سجنا نافذا .
وعلاوة على ذلك ، فقد كان تبون أيام تقلده لرأس هرم وزارة الإسكان، يفوت أراضي الدولة بمواقع ممتازة ، وبأثمنة رمزية ، للمقاول المسجون البوشي لبناء طوابق عالية ، وبيع شققها بأثمنة باهضة ، وجني ثروات طائلة يقتسمها مع من يشاركه ذلك في الخفاء ، و كان خالد نجل تبون يتوسط لهذا البوشي في أخذ الأراضي المميزة من وزارة أبيه ، مقابل أموال قامت كاميرات البوشي بتصويره وهو يتسلمها منه ، ووضع التسجيل أمام الجهات القضائية عند التحقيق معه ، مما جعل إبن تبون خالد يقبع في السجن ، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد أن أصبح أبوه رئيسا للجزائر، أما والده عبد المجيد الذي كان يسلم الإمتيازات عبر إبنه ، فقد تمت إقالته فقط من منصبه على رأس الوزارة ، بعد ثبوت تورطه ، وبقي بعيدا عن المتابعة، لأنه كان محميا من أصدقائه القدامى .
زيادة على ما سبق ، فقد سبق و أن أتهم خالد تبون بالمشاركة مع صديقه البوشي في قضية إدخال سفينة محملة بأطنان الكوكايين إلى مدينة وهران ، و أن الرئيس تبون كان المسؤول الرئيسي والمتحكم في صرف ميزانية بناء المسجد الكبير بالجزائر من ألفها إلى ياءها ، وأن المسجد الكبير تضاعفت ميزانيته المحددة و المقررة لبناءه ، وتضخمت حتى انفجرت ، حيث بلغت أربعة أضعاف الميزانية المقررة سلفا ، لتتجاوز بذلك ملياري دولار ، أي ما يعادل قيمة بناء أربعة مساجد من مستوى مسجد الحسن الثاني العريق ، الذي لم تتعدى تكلفة بناءه الإجمالية 500 مليون دولار ، بالرغم من البذخ الذي يبدو في شكله وتجهيزه والفخامة التي يمثلها ، ومن كون المقاولة التي تكلفت ببناء المسجد المغربي فرنسية لا تتكلف إلا بالمشاريع الضخمة ، بينما المقاولة الصينية التي تكفلت ببناء المسجد الكبير الجزائري لا تتكلف إلا بالمشاريع ذات التكلفة الرخيصة أو المتوسطة ، هذا إذا أغفلنا الفروق بين المسجدين ، من حيث جمالية العمران والقيمة العالية للمستوى الفني الذي يحظى به سجد الحسن الثاني، و التي يجسدها ثقل نقوشه على الجبص والأخشاب النفيسة ، والزليج، والرخام باهض التكلفة، والأسقف المزخرفة ، بالإضافة لتكلفة رفع أركان بناء المسجد بعظمته فوق البحر ، بينما المسجد الكبير بالجزائر ، تعتريه البساطة في التجهيز والنقش والزخرفة و الشكل .
بعد إطلاعي على سيرة ومسيرة المسمى تبون ، وما جنت يداه في إدارة الجزائر سابقا ولا حقا ، لم أعد أصدق هذا الرجل ، ولا أوقر سنه ، ولا أحترم شيبته، لكن ازدادت أكثر رغبتي الأكيدة في أن يضل بعدم كفاءته وقلة نباهته على رأس هرم السلطة في الجزائر ، ويظل العسكر المغفلون يحكمون البلاد بقبضة من حديد من خلاله ،وألا يفتحوا المجال للكفاءات الشابة الجزائرية، و التي يظهر لي أنها أصلا غير موجودة .
نعم أرجو أكثر مما السابق ، أن يبقى مجيدو رئيسا أبديا لجارتنا التي اختارت أن تظل عدوا أبديا لبلادنا .
وانتهى الكلام
كاريكاتير: بابا حميد