لم تكن العلاقات بين مصر والمغرب على ما يرام منذ اندلاع إنقلاب 1952 والإطاحة بالملك فاروق من الحكم، كما يقول الباحث المغربي، الزاكي عبدالصمد، في بحثه الذي نشر بجريدة «الأسبوع الصحفي» المغربية.
كانت المملكة المغربية في منتصف الخمسينيات قد حصلت لتوها على الاستقلال، وكانت مصر في نفس الآونة هي قائدة العالم العربي وحركات التحرر، لذا كان من المنطقي أن يؤثر كل ما يحدث في مصر على المغرب،
إلا أن ذلك لم يمنع الملك محمد الخامس من دعوة عبدالناصر لزيارة المغرب، في آواخر الخمسينيات، ولبى الرئيس المصري الدعوة.
وسط كبار رجال الدولتين ، جلس ولي العهد الشاب الحسن الثاني وضيف المملكة عبدالناصر في حفل العشاء، الذي أقامه الملك على شرف الرئيس المصري، وهل يليق بملك أن يقدم لضيفه أقل من ديك رومي؟ زين الديك الرومي مائدة رأسي الدولتين، وبدأوا في الأكل، ليلاحظ ولي العهد أن الرئيس المصري، الذي ينحدر من أسرة بسيطة، يلقى صعوبات في أكل الديك الرومي بالشوكة والسكين، ليقرر أن يمزح معه بخبث قائلًا: «لا أظن أن أكل الديك الرومي أصعب من قلب حكم الملك فاروق»، لم يعلق عبدالناصر واكتفى بابتسامة.. مجرد ابتسامة.
ومع تدهور العلاقات بين مصر والمغرب، ومساندة مصر للجزائر في الستينات والعلاقات الوطيدة بينهما، يقول الباحث «عبدالصمد» إن مصر ساندت الجزائر في حرب الرمال بين المغرب والجزائر، التي اندلعت عام 1963، وأرسلت جنودا قدر عددهم بحوالي ألف جندي للقتال مع الجانب الجزائري، و مع انتهاء الحرب بين الجزائر والمغرب، قرر الرئيس المصري فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المملكة، فقام بدعوة ولي العهد صاحب نكتة «الانقلاب»، الذي أصبح اليوم ملكًا لزيارة مصر.
صافح عبدالناصر الملك المغربي على أرض مطار القاهرة، كبر ذلك الشاب عن يوم ألقى نكتته، يبدو محتفظًا بثقته في نفسه كما كان قبل سنوات حين التقيته لأول مرة، هي أفكار دارت في رأس الرئيس المصري مع رؤيته لمن وصفه يومًا بـ«الانقلابي»، ينحني الملك المغربي لتقبيل الطفلة الصغيرة التي حملت إليه الورود، ليفرد ظهره مجددًا موجهًا حديثه لـ«ناصر»: «شكرًا سيدي الرئيس على باقة الورد، وأنا بدوري سأهديك باقة من اللحوم الحية»، ما كان يعنيه الملك حينها هو أنه سيسلم لعبدالناصر مجموعة من الضباط المصريين كان قد تم آسرهم أثناء الحرب.
وتبقى أبرز النقاط في الاجتماع هي محاولة عبدالناصر إقناع الملك المغربي أن يحذو حذو مصر وباقي الدول العربية تجاه ألمانيا الغربية، بعد أن ارتبطت معها المغرب بعلاقات اقتصادية، وكانت الدول العربية في قطيعة مع ألمانيا الغربية بعد اعترافها بإسرائيل.
خلف الأبواب المغلقة جلس الملك والرئيس، تحول النقاش بين الرئيس المصري والملك المغربي إلى جدال فمشادة، بعد رفض الملك لطلب عبدالناصر، ليقول له ناصر إن من يكسر التضامن العربي سيحكم عليه بالزوال، كما وجه له تحذيرًا شديد اللهجة قائلًا: «إن لم تتبع سياستي فإنني مستعد للإطاحة بك ولا تنسى أن المصريين على أبواب المغرب».
لم يحدث حقًا أن استخدم عبدالناصر القوة العسكرية تجاه المغرب بعد هذا اللقاء، إلا أن العلاقات شهدت قطيعة تامة بين الدولتين لسنوات، حتى تغيير الأمر بعد رحيل عبدالناصر وتولي الرئيس محمد أنور السادات ومن بعده حسني مبارك الحكم، لربما تدخل نكتة «الديك الرومي والانقلاب»، ضمن أسوء النكات في التاريخ بعد أن تسببت في سوء علاقة بين بلدين لأكثر من عقدين من الزمان.