شهدت الدار البيضاء، يوم الجمعة 18 أبريل 2025، احتجاجات مثيرة للجدل أمام ميناء المدينة، في خطوة دعت إليها ما يسمى بـ”الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”، ضد رسو سفينة “Nexoe Maersk” التابعة لشركة الشحن العالمية “ميرسك”، بدعوى نقلها مكونات طائرات F-35 إلى إسرائيل، رغم أن المعطيات المتداولة بهذا الخصوص لا تزال مبنية على تقارير صحفية غير رسمية فقط، وتحليلات مضللة، مسرّبة أساساً من جهات تكنّ العداء للمغرب.
هذه التعبئة، التي رافقتها دعوات إلى التظاهر في ميناء طنجة أيضاً، تثير الكثير من علامات الاستفهام حول توقيتها، وخلفياتها، والجهات التي تروّج لها، في ظل ما تؤكده تقارير موثوقة عن وقوف أجهزة دعائية معادية للمغرب وراء تسريب الإشاعات وتضخيمها، بهدف تقويض صورة المملكة وإرباك نشاطها الاقتصادي الحيوي في موانئها الاستراتيجية.
في مشهد يعيد طرح أسئلة جوهرية حول مصادر المعلومات وخلفيات التحركات الشعبية، خرجت مظاهرات، يوم الجمعة 18 أبريل 2025، قرب ميناء الدار البيضاء، تنديداً برسو سفينة الشحن “Nexoe Maersk”، بدعوى نقلها مكونات مقاتلات F-35 إلى إسرائيل، رغم أن المعطيات المتداولة بهذا الخصوص لا تزال مبنية على تقارير صحفية غير رسمية، وتحليلات مضللة، مسرّبة أساساً من جهات تكنّ العداء للمغرب.
هذا التحرك لم يكن تلقائياً، بل يأتي في سياق حملة دعائية ممنهجة، تقودها أطراف معروفة بعدائها للوحدة الترابية للمملكة ولخيارها السيادي في تنويع شراكاتها الدولية، وعلى رأسها الجزائر وقطر، اللتان تسوقان هذه الرواية عبر وسائل إعلام محسوبة عليهما، على غرار القنوات الجزائرية الرسمية وقناة “الجزيرة”، المعروفة بخطها العدائي تجاه المغرب في قضايا استراتيجية.
الاحتجاجات، التي رُوّج لها على نطاق واسع عبر منصات إعلامية ونشطاء محسوبين على ما يسمى “حركات مناهضة التطبيع”، استندت إلى ادعاءات لا سند لها سوى تقرير صحافي استقصائي نُشر في وسائل إعلام بريطانية وأيرلندية، لم تؤكد أي جهة رسمية دولية صحته، بل نفت شركة “ميرسك” نفسها علمها بوجهة المعدات بعد مغادرة السفينة، مؤكدة أن عملياتها تتم بتعاقدات مع موردين وليس مع وزارات دفاع أو جيوش.
وفي خضمّ هذا التوظيف السياسي الممنهج للقضية الفلسطينية، لا بد من الإشارة إلى أن تحريك الشارع المغربي بمزاعم غير مثبتة يدخل في إطار محاولات خنق المغرب اقتصادياً وتشويه صورته دولياً، خاصة في وقت تواصل فيه المملكة تعزيز دورها كمركز لوجستي واستثماري محوري في إفريقيا، وهو ما يزعج أطرافاً إقليمية تسعى جاهدة لتقويض هذه الدينامية.
المثير في هذه التحركات هو استغلال قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية، التي تجمع عليها الأمة، من أجل تنفيذ أجندات تخدم مصالح أنظمة تحاول تصفية حساباتها مع المغرب. الذي دافع وساند ولايزال الفلسطينيين أكثر بكثير من هذه الأطراف. فدعوات المقاطعة لم تأتِ من فراغ، بل صدرت عن هيئات تعرف ارتباطها بأطراف خارجية، منها BDS Maroc، التي كثيراً ما اتُّهمت بتلقي تمويلات من كيانات تسعى إلى زعزعة استقرار بلدان شمال إفريقيا.
التظاهر ضد رسو سفن مدنية، دون التحقق من طبيعة حمولتها، هو خلط خطير بين الدعم الإنساني والسيادة الوطنية. فالمطالبة بمنع رسو سفن على الأراضي المغربية بناء على شبهات إعلامية، يُعد تجاوزاً خطيراً، ويفتح الباب أمام فوضى إعلامية قد تضر بالاقتصاد الوطني وتهدد الأمن العام.
ميناءا الدار البيضاء وطنجة المتوسط هما رئتا الاقتصاد المغربي، ويؤديان دوراً محورياً في سلاسل الإمداد العالمية. وأي تعطيل أو تشويش على نشاطهما بفعل دعاوى غير مبنية على أدلة قانونية موثوقة، لا يمكن فهمه إلا في إطار محاولات لضرب المصالح الوطنية من الداخل، عبر تحريك “أحصنة طروادة” تحت مسمى “الدفاع عن فلسطين”.
ولعل ما يزيد من خطورة هذه التحركات، هو انخراط نقابات عمالية كبرى، مثل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، في الدعوة لمقاطعة عمليات التفريغ والشحن، وهو أمر يرقى إلى تهديد مباشر لالتزامات المغرب التجارية والدولية، ويضع آلاف الوظائف في خطر في وقت تتطلع فيه المملكة إلى جذب استثمارات جديدة في قطاعات النقل واللوجستيك والدفاع.
من الطبيعي أن يُعبّر المغاربة عن دعمهم للشعب الفلسطيني، فهذا موقف ثابت عبر عنه جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في العديد من المناسبات. لكن ما هو غير مقبول هو توظيف هذه القضية الشريفة لخدمة أجندات مشبوهة، والتشويش على موقع المغرب الاستراتيجي ومساره التنموي.
إن التحلي بالحس الوطني لا يعني الصمت، بل التمييز بين الحق والباطل، بين النضال الصادق والدعاية الموجهة، بين السيادة الوطنية والارتهان لإعلام مأجور لا يخدم سوى أجندات الانقسام والفوضى.